نعم.. هل أنت جامح؟.. أو بلغة أخرى هل لديك الرغبة في الاكتشاف، والبحث عن المغامرة، مهما كانت خطرة، أو لا يمكن الاقتراب منها؟ في هذا المقال نحاول سبر أغوار روح التحدي لدى البشر، ومدى اقترابنا نحن السعوديين منها!

يرى علماء "الأنثربولوجيا" أن الإنسان بطبعه ميال نحو اكتشاف ما وراء المجهول، والبحث عن إجابات شافية عما يجهل، وهدفه في ذلك ليس واقعه الحالي، بل ليتعرف بشكل أكثر دقة على مستقبله، ثم ليكون له دورٌ أكبر في تشكيله وتحديد معامله، بينما يرى "الجامحون" أن الرغبة بالاكتشاف لا تتجاوز الرغبة نفسها فقط، حيث يستشهد كثير من الجامحين برسالة العالم "ديفيد سكوت"، حينما كان رئيساً لبعثة الهبوط على "القمر" "أبولو 15": "أدركت الآن الجوهر الحقيقي لطبيعتنا الإنسانية: الاكتشاف ثم الاكتشاف"!

هنا في المملكة ورغم وجود روح التحدي لدى الكثير من شبابنا، إلا أن معظمها يصرف في تحديات غير مفيدة، مثل "تفحيط" السيارات أو المنافسات الشبابية التافهة، والتي لا تشبع نهم الشخص الجامح في نهاية الأمر، غير أن جموح البعض يجعلنا أكثر تفاؤلاً باستمرارية هذه الغريزة البشرية، فمثلاً نجد أن رياضة "تسلق الجبال" تزداد انتشارا في المملكة، وتتحول إلى هواية يبذل فيها الغالي والنفيس، وهي وإن كانت رياضة بدنية مجهدة؛ إلا أنها تحقق فرحة استكشاف ذواتنا، بعد أن نكتشف تضاريس محيطنا القريب، كما أنها تزيدنا قرباً من ربنا –عز وجل- حينما تتجلى ضآلة ذوانتا أمام جبروت الطبيعة وخالقها. بينما نجد على الطرف المقابل الكثير من البشر الذين تتوق قلوبهم قبل جوارحهم لركوب صاروخٍ فضائي، أو الاقتراب من بركانٍ ثائر، وهم يفعلون ذلك ليس فقط بدافع الفوز بمكان أفضل أو ثروة أكبر، بل للاكتشاف، حباً فقط في الاكتشاف.

وعلى الرغم من شيوع مبدأ أن الرغبة بالاكتشاف تنشأ فطرياً لدى الأنسان، إلا أن المورثات المحفزة لروح المغامرة لا تزال مجهولة حتى الآن، ولكن يدور نقاش علمي كل فترة حول مورثة متفرعة من المورث DRD4، والتي تساعد على التحكم في إفراز مادة "الدوبامين"، وهي ناقل كيميائي يلعب دوراً في عمليتي "التعلم" و"الجزاء"، ولقد دأب مجموعة من العلماء على ربط هذه المورثة بحب البشر للاستطلاع وبالتالي للترحال والبحث عن مكان آخر، والتوق لإقامة علاقات جديدة، لكن المثير في الأمر أن هذه المورثة لا توجد إلا في أقل من خمس البشر! لكن الأكثر إثارة أن دراسات جديدة بدأت بربط هذه المورثة بهجرات البشرية، ولقد كانت دراسة "شوانغ يونق" من جامعة كاليفورنيا الأمريكية الأولى التي طرحت هذه الفكرة عام 1999م، والتي تعززت بدراسة أخرى عام 2011م التي وجدت أن هذه المورثة مع مورثة أخرى أطلق عليه 2R تنزع لأن تكون أكثر تكرارًا لدى السكان الذين هاجر أسلافهم لمسافات طويلة، مقارنة بالسكان الأصليين لأي منطقة، الأمر الذي يفسر نزعة شعوب محددة للسفر والترحال، والبحث عن فرص وآفاق أخرى، بينما تنزع أعراق أخرى للاستقرار وعدم البحث عن المغامرة والجموح.

ليس هذا فحسب، بل لقد ربطت دراسات أخرى بين هذه المورثات والقوة الجسمانية لدى من يحملون هذه المورثات، كما يوجد لدى كثير من القبائل المهاجرة، والتي تعتمد على ملاحقة الماء والعشب لتغذية ماشيتهم، وغني عن القول إن هذه القوة الجسدية واللياقة البدنية تؤهلانهم لدورات الترحال التي لا تنتهي. صحيح أن هناك طيفا من العلماء يستطيع نقد هذه الدراسات بسهولة، ذلك أنه لا يمكن اختزال أمرٍ معقد لدى البشر في مورثة واحدة أو اثنتين، خصوصاً أن هذا الأمر قد يتعارض مع قوانين ومنطق علم الورثة.

لذا يميل آخرون إلى وجود مجموعة مورثات أخرى تسهم في تحفز "الجموح" لدى الفرد، تساندها في ذلك البيئة المحيطة، ابتداءً من الأسرة الصغيرة، من والدين وإخوة وأخوات، ومروراً بالظروف الاقتصادية، ومدى توفر نماذج حية للجامحين، أو بلغة أخرى ضرورة توفر خليط من الدوافع نحو حب الاستطلاع، فضلاً عن وجود الوسائل المساعدة على حدٍ سواء.

ولكن ألا يستطيع علماء المورثات السعوديون أن يحاولوا فك "شفرة" مورثات مواطنيهم، لمعرفة ميولهم نحو حب الاستطلاع والمغامرة؟ وهل يحمل السعوديون هذه المورثة أم لا؟ أم إننا لا نزال بعيدين عن التعرف على أنفسنا بأنفسنا!