اللواء الركن د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود


"بسم الله الرحمن الرحيم": بها وضع المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود ـ طيب الله ثراه ـ البطل الفذ، والقائد الهمام، صانع التاريخ، ومشيد الأمجاد، ومحقق الإنجازات التي تشبه المعجزات، اللبنة الأولى في تأسيس هذا الصرح العملاق، فجر الخامس عشر من شوال عام 1319، فاصل اليوم مكانته التي كان المؤسس يطمح لها بين أهم دول العالم تأثيرا ونفوذا، بعد أن أفنى حياته كلها من أجل تحقيق هذا الهدف السامي.

"بسم الله الرحمن الرحيم": بها حدد المؤسس دستور بلاده، على كتاب الله وسنّة رسوله، وبدأ جميع معاركه الجهادية من أجل توحيد البلاد وتآلف شعبها، ومن ثم استهل بها كل مشاريعه، صغيرها وكبيرها، من أجل تنمية بلاده وتطويرها، وضمان أمنها واستقرارها، واستهل بها كل أحاديثه وخطبه، دقيقها وجليلها، في الحل والترحال، لم يشغله عنها شاغل.

"بسم الله الرحمن الرحيم": وَعِيَها سعود والفيصل وخالد والفهد، رسالة سامية، وعقيدة أصيلة، ومبدأً أساسيا، ومحورا رئيسا، تدور عليه حياة هذا الوطن الغالي، الذي دفع الآباء والأجداد ثمنه غاليا من دمائهم الزكية، وأرواحهم الطاهرة في ملحمة تأسيسه، وساعة بيولوجية، ترتكز عليها كل حركة وسكنة في وطن دستوره كتاب الله العزيز الحميد، وسنَّة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، لا مكان فيه للظلم والطغيان، ولا للحقد والحسد ولا للاضطهاد والتمييز بين خفير ووزير، فالكل سواسية أمام شرع الله.

"بسم الله الرحمن الرحيم": التزم بنهجها والد الجميع، قائدنا اليوم، وقبطان سفينتنا الحاذق الماهر، الحكيم الحليم، الصادق المتواضع، الأب العطوف، خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ـ حفظه الله ومتعه بالصحة والعافية ـ وبها أدار عجلة التنمية، واستهل مسيرة الإصلاح، فتحولت بلادنا إلى خلية نحل تموج بالحركة والنشاط على مدار العام، فتحقق في كل يوم إنجاز أعظم مما تحقق بالأمس، حتى غرق أهلها في الخير، وامتدت ظلال نعيمها الوارفة، بقيادة هادي ركبها الرجل الصالح المتوكل على ربه، الواثق في نصره، عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، ليستظل بها إخوة لنا في العقيدة والعروبة والإنسانية في سائر قارات العالم. فتحولت بلادنا بنيته الصافية وقلبه الصادق، العامر بالحب والإيمان وعزيمته الماضية، إلى يد للخير في شتى بلاد الدنيا، كما أكد سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، ولي عهدنا الأمين، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، في كلمته لنا بمناسبة يومنا الوطني الأخير، فاحتلت الصدارة في العمل التطوعي بين سائر الدول العربية، ليس هذا فحسب، بل نافست الدول المتقدمة التي تدّعى حرصها على حقوق الإنسان وكرامته، في السعي لتعزيز الأمن والاستقرار في عالم يتكئ اليوم على برميل بارود ملتهب، بشهادة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، كما صرح في حفل العشاء الذي نظمه وفدنا في الأمم المتحدة يوم الثلاثاء 27 /1 /1434، للتعريف بأعمال لجنة قرار مجلس الأمن رقم (1540) التي تعنى بعدم وصول الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، لجهات ومنظمات أو جماعات غير الكيانات الدولية، إذ أكد كي مون: (إننا ممتنون لدعم الملك عبدالله السخي للأمم المتحدة وللإنسانية حول العالم). في إشارة لجهود بلادنا بقيادة والدنا الصالح عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، في تعزيز الأمن والاستقرار، ومساعدة المحتاجين، وإغاثة الملهوفين، وإشاعة التسامح بين أتباع مختلف الأديان والمعتقدات والحضارات والثقافات.

مما حدا بمشايخ العالم وعلمائه ومفكريه وبطارقته ومطارنته، وحتى أحباره، الذين شاركوا في تدشين مركز الملك عبدالله للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فيينا مؤخرا، الذي يعد أول مظلة للحوار العالمي بين أتباع الأديان والثقافات، مما حدا بهم جميعا، للهتاف والتأكيد بصوت واحد: (الملك عبدالله وضع لبنة السلم الأهلي العالمي).

"بسم الله الرحمن الرحيم": يبدأ بها والدنا وقائدنا إلى الخيرات، عبدالله بن عبدالعزيز يومه كما علمنا؛ لأنه رجل يخشى ربه ويتقيه، ويحرص على طاعته، ويتوكل عليه في كل أمره، وصاحب عقيدة صافية، يدرك جيدا أن كل عمل لا يبدأ ببسم الله فلن يبارك الله فيه، كما علمنا قدوتنا وهادينا وشفيعنا يوم المحشر، رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم.

"بسم الله الرحمن الرحيم": لم تكن شعارا عفويا أو عبارة جوفاء، بل إيمانا راسخا بالاتكال على الله في كل حين، والتوكل عليه في كل عمل، ولهذا لا غرو أن افتتح بها مليكنا المفدى، خادم الحرمين الشريفين عبدالله بن عبدالعزيز، مساء الخميس 29/1/1434 تحيته وشكره للصحفيين والأمراء والمشايخ والعلماء ورجال الدولة والمواطنين، الذين تدافعوا لاستقباله وهو يهم بمغادرة مدينة الملك عبدالعزيز الطبية للحرس الوطني، بعد أن منَّ الله عليه بالعافية والسلامة، إثر العملية الجراحية التي أجريت لمقامه الأبوي الكريم.

والحق يقال: عندما شاهدته واقفا شامخا، كعادته دائما، بوجه مشع ونفس مؤمنة مطمئنة، واثقة بربها، متكلة عليه في كل أمرها، شاكرة فضله أن منَّ على صاحبها بالشفاء، ممتنا لمشاعر مواطنيه تجاهه، كما أكد يحفظه الله لزائريه، بتواضع المؤمن الصادق: (وش أنا لولا الله ثم دعاء المواطنين).. أقول، عندما شاهدته في ذلك الموقف الذي لن يغادر الذاكرة أبدا، اختلجت في نفسي مشاعر عدة لرجل نادر، وقائد فريد، وأب حنون، فقفز إلى ذهني حديث الصحفي المخضرم، تركي السديري، الذي لقبه عبدالله بن عبدالعزيز بـ (ملك الصحافة) في عموده الشهير (لقاء) يوم السبت 17/ 1/ 1434، إذ يقول الأستاذ تركي: (… الملك عبدالله نموذج، ليت أن كل العالم العربي يعي أصالة خصوصياته في نوعية حضوره داخل عقول مواطنيه وداخل قلوبهم …).. ولم يتجاوز تركي السديري الحقيقة، فها نحن كلنا نهتف معه: ليت الجميع يعي خصوصيات قائد في زمن عزّ فيه القادة، لم ينسه الألم أن يبعث من سريره الأبيض، لأحد مواطنيه، وهو تركي السديري نفسه، بطاقة يسأل فيها الله الشفاء له، مصحوبة بخالص تحياته، إثر العملية الجراحية التي أجريت له.

وكما جاء مع البرقية التي نشرت في صحيفة الرياض يوم الأربعاء 28/1/1434، (… الرسالة لا تقف عند الأستاذ تركي السديري، لكنها طبيعة عواطفه ونبل مواقفه ـ أي عواطف المليك ومواقفه ـ تجاه كل فئات المواطنين الذين أعطاهم مصداقيات جهوده ومواقفه). كما يقرر الأستاذ السديري في كل مقالاته الجزلة التي يتحدث فيها عن هذا الرجل الفريد النادر، عبدالله بن عبدالعزيز.

وصحيح.. قد يفهم الإنسان اهتمام الأمراء والعلماء ورجال الدولة والمسؤولين وزعماء العالم، بصحة المليك المفدى، والحرص على زيارته في المستشفى للاطمئنان على صحته، في سياق الواجب والعلاقات العامة، لكن أن يتوافد الناس كلهم، بمختلف شرائحهم وفئاتهم من رجال ونساء، شيبا وشبابا وحتى الأطفال، إلى حيث يعالج الوالد القائد، ويجلسون على الطرقات ويحرسون البوابات للاطمئنان على صحة والدهم وقائدهم، الذي نذر نفسه من أجل راحتهم وكرامتهم وعزة نفسهم، أن يتوافد الناس على تلك الشاكلة، لأبلغ دليل على خصوصيات عبدالله بن عبدالعزيز ، وهذه العلاقة الصادقة، الخالية من كل زيف ونفاق، بين قائد عشق شعبه وأحبه بصدق من أعماق نفسه، وشعب وفيّ، يبادل قائده حبا بحب وإخلاصا بولاء.

فلا عجب إذن أن يحوز عبدالله بن عبدالعزيز، الذي لا مكان في قلبه العامر بحب الناس لشيء غير الخير، الصدارة مرات عديدة، وسنوات متتالية بين قائمة الشخصيات الأكثر نفوذا وتأثيرا في العالم، التي تعمل بصدق وصمت من أجل خير البشرية ودفع الضر عنها، دونما منَّة أو انتظار لمكافأة أو ترقب لجائزة.

وليس ثمة شك أن تقدير العالم لجهد قائدنا، سيظل محل اعتزازنا وتقديرنا، وحافزا قويا لنا جميعا لنكون دائما على قدر المسؤولية في كل شؤوننا.

فهنيئا لنا بوالدنا وقائدنا الذي يغبطنا عليه العالمون في مشارق الأرض ومغاربها، وهنيئا لنا أيضا بولي عهده الأمين، سيدي صاحب السمو الأمير الملكي سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، الذي لم تزده المحن والابتلاءات إلا قوة وعزيمة وصبرا، وتشبثا بدوره الرائد في حياتنا، فها هو سلمان، هو نفسه قبل ولاية العهد والوزارة وبعدهما، قمة في العطاء والسخاء والتجرد ونكران الذات، حاضرا بقوة أكثر من ذي قبل، في كل تفاصيل حياتنا، رغم الأعباء والمسؤوليات الجسام التي يضطلع بها سموه الكريم، تأكيدا لما جاء في مرثية الأمير عبدالعزيز بن فهد بن عبدالعزيز لفقيد الجميع، الراحل الكبير صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز ـ طيب الله ثراه ـ إذ يقول:

وأنا أحمد الله لا جازع ولا خايف

هذا الوطن في عزاه يجدد أعياده

مادام سلمان بأمر الله لها واقف

سلمان قادر على الحملين وزيادة

أقول، رغم كل هذا الذي يضطلع به سلمان، يؤكد لنا سموه الكريم في كل يوم، أنه حقا (سمو الوفاء.. ووفاء السمو) كما اعتاد أن يخاطبه الراحل الكبير سلطان الخير، طيب الله ثراه. ويكفي سلمان شرفا أن رجلا بقامة سلطان شهد له بذلك.

فالحمد لله رب العالمين، الذي عافى مليكنا، ووحد قلوب أبناء مجتمعنا قادة ورعية على الحب والإخلاص والوفاء والولاء، وحقق لبلادنا وأهلها الخير والرخاء والاستقرار.