تتعالى بين الحين والآخر أصوات منادية بإعادة تدريس اللغة العربية إلى ما كان عليه في تصنيفاته التقليدية المعروفة من نحو وأدب وبلاغة وإملاء وتعبير، معززة تلكم النداءات بشكاوى من ضعف مخرجات المحاضن التعليمية على صعيد الكتابة رسما إملائيا أو حتى على مستوى الفنون المرتبطة باللغة كالخط العربي وجمالياته، وتوجه اتهاما في الوقت نفسه إلى المناهج الحديثة التي تعاملت مع المهارات اللغوية بشمولية، ووفقا لمبادئ تعّلم ضمني يحوي كفايات مقصودة لذاتها وأخرى مواكبة لعملية التعلم دون أن تكون مستهدفة ومرومة.

المدرسة الأخرى تحتج بأن البناء اللغوي لا يمكن تجزئته وتصنيفه خاصة إذا ما أردنا أن تتحول اللغة من قوالب مجردة إلى أدوات مهارية تعتمل في واقع الطالب وحياته، وتعينه على أن يكون فاعلا ومؤثرا وجيد التواصل، وهذه الأخيرة هي قصب السبق، فغايتا التواصل الشفهي والكتابي هما رهان المناهج في صبغتها الجديدة التي تعتمد أن تكون المهارات اللغوية متضافرة لتنتهي بحصيلة التواصل بنوعيه.

بعض المعلمين يجد ضعفا في البناء الجديد لأنه لا يركز كثيرا على إعراب المفردات والجمل وكأن الإعراب سيفضي إلى طالب بارع أديب ومبدع في حين أن المقررات السابقة كانت تقدم جمل الإعراب مبتورة عن سياقات نصوصها فيتعامل الطالب مع قوالب مفرغة يملؤها بما حصله في هذا الباب النحوي أو ذاك من قواعد وتصنيفات نحوية.

الأمر كما أراه وسط بين التيارين يأخذ من هذا ويمتاح من ذاك، فالإنسان منا كائن تواصلي بطبعه لكنه في حاجة إلى أدوات تعينه على إيصال حمولاته الفكرية والدلالية إلى الآخرين في صورة واضحة ومقنعة، ولن يكون ذلك دون أن يرتهن تعلمه للغة بمدى فاعليتها في الحياة العامة، إذ إننا نتعامل مع النصوص الكاملة لا الجمل المبتورة القصيرة، والحياة برمتها نص يستحق التأمل والقراءة، وفي رأيي أن المبدعين البارعين لغويا لم يتحصلوا على ذلك إلا من خلال قراءاتهم الخارجية للفنون والآداب وليس من خلال سياق لفظي محدود وضع تحت إحدى كلماته خط ومطلوب إعرابها وتوضيح بنيتها الصرفية، وعليه فالتعامل مع النص هو الأجدى والأولى في الاكتساب اللغوي، ولا يعني كل هذا ألا يتعمق الطالب في أي علم من علوم لغته وأبوابها العديدة ولكن في غير مرحلة التأسيس الأولية التي هو مستعد خلالها للتلقي الماتع للغة ثم توظيفها بما يعينه على إعادة اكتشاف ذاته والتعبير عما يختلج في نفسه من رؤى تجاه من حوله بل العالم أجمع.