لخّص الدكتور حسن البنا عز الدين، محاضرته في نادي المنطقة الشرقية الأدبي، مساء أول من أمس، في شيوع ظاهرة كتابة الشعر على الجدران في التراث الأدبي العربي، متتبعا أبعادها المختلفة، وراصدا أهم ملامحها، ومركزا على كتاب أدب الغرباء لأبي الفرج الأصفهاني، هادفا من ذلك سبر العلاقة العميقة بين الشعر بوصفه فنا شفويا، والكتابة والخط بوصفهما فنين كتابيين بصريين في الثقافة العربية الإسلامية.

وأكد عز الدين أن كتابات المصريين القدماء، ونقشهم على الجدران هي أقدم ما عثر عليه العلماء، وقد رسم المصريون ولونوا رسومهم، وكتبوا عن جوانب كثيرة من حياتهم ووصاياهم وحكمهم، متطورة الكتابة على الجدران بمرور الوقت حتى أصبحت لدى بعض الشعوب شكلا من أشكال المقاومة، فقد استخدمتها الشعوب المقهورة وسيلة للتعبير عن رفض المستعمر أو الحاكم الظالم، أو الدعوة لطرد محتل.

وأوضح عز الدين أن ظاهرة الكتابة لها شقّان جوهريان، يتمثلان في أن الشعراء منذ العصر الجاهلي حتى اليوم يذكرون الكتابة وأدواتها في شعرهم بأنحاء مختلفة، مما يكشف عن الوعي الكتابي لديهم، وقد عالجه في كتاب له بعنوان "الشعرية والثقافة، مفهوم الوعي الكتابي وملامحه" في 2004. يتمثل الشقّ الآخر في أن الشعراء منذ القرن الثاني الهجري، إضافة إلى فئات أخرى من الناس "أدباء، أميرات، جوار، حرائر، محبوسين ظلما، ومسافرين مغتربين، مارسوا جميعا كتابة أشعار على مطلق الجدران، أو جدران المساجد، كنيسة، قصر، بيت، قلعة، سور، ويقرؤها عابر سبيل أو أمير أو شاعر آخر، فيعلّق عليها شعرا وأحيانا نثرا، مما يعود بهذه الجدران إلى فكرة الأطلال نفسها التي كانت تشبه بالكتابة على الحجارة، كذلك مارسوا الكتابة على الجسد وعلى أشياء ثقافية، "خواتيم، أقمصة، أقلام، وغيرها" وأشياء طبيعية "الصخور، أشجار، تفاح"، مؤكدا أن كتابة الشعر على الجدران ظاهرة تصل على نحو عميق بين ماضي الشعر العربي"الجاهلي"، ومرحلة زاهية في تطوره "العباسية"، كذلك استرعت الظاهرة انتباه أبي الفرج الأصفهاني، حتى جعلته يخصص لها كتابا كاملا، نسبة إلى الغربة والحنين والولع والحب والحياة والموت، مما يعطيه بعدا ثقافيا خاصا بالثقافة العربية ومكانة في الشعر.

كما استعرض البنا عز الدين أمثلة من الشعر المكتوب على الجدران، من كتب مختلفة من كتب التراث، وأمثلة لشعراء كتبوا الشعر على الجدران، مبتدئا بنص فرعوني نادر عن النقش والكتابة والقراءة:

كن كاتبا

انقش هذا في قلبك

حتى يمكن لاسمك أن يحيا مثل أسمائهم

والدرج أفضل من الحجر المنحوت

وما إن يموت المرء: فجثته تصبح ترابا

ويرحل قومه من أرضهم

والكتاب هو الذي يحفظ ذكره

في فم المتكلم الذي يقرؤه

والذي يقدم هنا مفهوم الكتابة في الوعي البشري وفي الوعي الشعري العربي.