لا أحد لديه الاستعداد النفسي أو الذهني أن يرى شخصا، أي شخص، يهان أو يضرب أمامه، فما بالك لو كان رجلا ملتحيا، يرغب في النصح ومنع ما يرى أنه منكر، لكنه حدث، وتحقق الهدف وخرج البطل على "اليوتيوب" وهو يبتسم.

في 1990 انطلقت مجموعة من الأصوات الغنائية السعودية تشدو بأوبريت "مولد أمة" في الجنادرية. كان الجميع يردد اسم مدينته طربا "معشوقتي معشوقتك"، ولم يكن هناك منكر أو منكرون، ثم ماذا، صارت الجنادرية اليوم مكانا مختلفا، في نظر القوم. من يسمع ويقرأ عن الاشتباكات التي حدثت مؤخرا بين رجال الأمن والمحتسبين، سيعتقد أن الجنادرية تحولت إلى مسرحا للغناء الفاحش والمجون، وهناك من يحرس هذه الممارسات وهناك من يقف لها بالمرصاد ويسجل دوره البطولي للتاريخ.

الحقيقة أن فعاليات الجنادرية لم تتغير، فمنذ أن بدأت وعرفناها، تمثلت في العروض الشعبية للأغاني الفلكلورية واستعراض شيء من ماضي الأجداد الذين كانوا يرقصون. حسنا سنقول إن هناك تجاوزات أخلاقية يجب إنكارها والتصدي لها بالقانون وبغير القانون. وإن سألت أحدهم مثل ماذا، سيقول: الرقص، الرقص يقلل من شيمة الرجال، ونحن أقوام لا ترقص إلا في الحرب وعلى الدم والنار. في هذه الحالة يمكن نكتب على مدخل القرية "ممنوع الرقص" وتفرض غرامة على كل من يفكر أن يحرك كتفيه.

"الاختلاط منكر آخر في الجنادرية"، هنا سنعود إلى المربع الأول، إنها العودة إلى الماضي، فنحن في الجنادرية، سنعيد السؤال، هل هو اختلاط محرم أم عارض، وهل يحدث اختلاء أم لا؟ الأمر ليس بهذه بسهولة أن تلبس "المشلح" وتقتحم صفوف الناس لتقول: ها أنا ذا وهذا الأمر لن يحدث.

التجاوز الحقيقي الذي يحدث في الجنادرية، هو قيام بعض الإخوان بأدوار ليست أدوارهم ولم يطلب منهم أحد القيام بذلك، على ذمة الاحتساب، فجاءت الصورة مؤلمة، مشاهد اشتباكات وضرب، حولت الجنادرية إلى أرض معركة واستعراض عضلات وبطولات زائفة.