في يوم الثلاثاء الماضي (9 أبريل)، ضرب زلزال كبير جنوب إيران، قرب المفاعل النووي في (بوشهر) على الساحل الشرقي للخليج. وأثار هذا الحدث المخاوف من الأضرار المدمرة التي يمكن أن يتسبب فيها هذا المفاعل النووي في حال وقوع حادث من جراء الزلزال، إذ يمكن أن ينشر مثل هذا الحادث الدمار في جميع المناطق المجاورة له، ملوثاً الهواء ومياه الخليج التي تعتمد عليها معظم دول مجلس التعاون لتوفير مياه الشرب.
ويبعد مركز الزلزال – الذي بلغت قوته (6.3) بمقياس ريختر نحو (85) كيلومتراً جنوب شرق المفاعل النووي، ولكن آثاره امتدت أقرب من ذلك بكثير، وتبع الزلزال الأول هزات متعددة، ما زالت مستمرة، في مناطق مختلفة قرب المفاعل. ونسبت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية لمسؤولين في الهلال الأحمر قولهم إن نحو مئة بلدة وقرية قد تأثرت بالزلزال الذي دمر نحو ألف منزل.
وحاول المسؤولون في إيران تهدئة المخاوف من إمكانية تأثير الزلزال على مفاعل بوشهر، ولكن كلماتهم لم تكن مقنعة، حيث استمرت الهزات الثانوية للزلزال مقتربة بدرجة مخيفة من المفاعل الذي يقع في منطقة معروفة بتعرضها المستمر للزلازل. وحينما وقع الزلزال الأسبوع الماضي شعرت به جميع المناطق المطلة على الخليج، وليس في مركز الزلزال فحسب.
وقد تساءل الكثيرون عن حكمة بناء المفاعل، الذي بدأ عمله الفعلي في سبتمبر 2011، في إحدى أخطر مناطق الزلزال في إيران. بل إن (مجلس الموارد الطبيعية) في نيويورك وضع المفاعل النووي في بوشهر ضمن إحدى أخطر مناطق الزلازل في العالم بأسره، وذلك وفقاً لتقرير نشره عام 2011 عن أخطار الزلازل في المفاعلات النووية، بناء على بيانات (البرنامج العالمي لتقييم الأخطار السيزموغرافية) في أنحاء مختلفة من العالم.
وبالإضافة إلى موقعه، فإن عمر مفاعل بوشهر الذي يبلغ نحو أربعين عاماً، وتعدد الشركات التي صممته وبنته، ومحدودية التقنيات والقدرات الفنية المتوفرة لدى إيران لتشغيله والحفاظ على السلامة فيه.. كلها تدفع إلى القلق الدولي والإقليمي حول سلامة المفاعل واحتياطات السلامة فيه، خاصة لدى حدوث زلزال. وعلى الرغم من هذه الحقائق يقول المسؤولون في إيران إنهم ما زالوا يعتزمون بناء مفاعلين نووين إضافيين في بوشهر، بالإضافة إلى (16) مفاعلاً جديداً في مناطق أخرى من إيران.
ومما يزيد من القلق تسييس بعض المسؤولين الإيرانيين لموضوع السلامة النووية، حيث ظهروا على الإعلام بعد زلزال الثلاثاء الماضي محاولين التقليل من أهمية ما يُثار عن سلامة المفاعل، دون توفير أدلة مقنعة بسلامته. وفي الوقت نفسه لم تغير إيران من موقفها تجاه التفتيش الدولي غير المقيد لمنشآتها النووية، كما لم تكشف عن أي خطط للطوارئ في حال تعرض تلك المنشآت لأي حادث.
وموقف إيران تجاه زلزال بوشهر يذكرنا بموقفها العام الماضي تجاه ما تناقلته الأخبار عن حادث فني داخل مفاعل بوشهر أيضاً، فالتكتم الرسمي وعدم التعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يزيدان من قلق جيران إيران، وجيران المفاعل النووي، حول احتياطات السلامة فيها.
وخلافاً لما يقوله المسؤولون في إيران، فإن قلق دول الخليج من إمكانية وقوع حادث نووي في بوشهر مُبرّر وحقيقي، وليس سياسياً أو مفتعلاً، وذلك بسبب قرب المفاعل من عواصم دول المجلس التعاون ومراكز الثقل السكاني فيها. فمفاعل بوشهر أقرب إلى تلك العواصم منه إلى العاصمة الإيرانية طهران، التي تقع على بعد (1300) كيلومتر شمال المفاعل، في حين أن هذا المفاعل يقع مقابل مدينة الخفجي السعودية على الساحل الغربي من الخليج، على بعد نحو (200) كيلومتر فقط، وعلى بعد (250) كيلومترا من العاصمة الكويتية، كما يبعد نحو (300) كيلومتر عن البحرين وقطر والدمام والخبر والظهران، و(400) كيلومتر عن أبوظبي ودبي ومدن الإمارات العربية المتحدة الأخرى، بل إن مفاعل بوشهر أقرب إلى سلطنة عمان وإلى الرياض منه إلى طهران!
وكما رأينا في الحوادث النووية في أوكرانيا واليابان وغيرهما، فإن التدمير النووي مروع، بالغ السرعة في الانتشار، تمتد آثاره مئات الكيلومترات من موقع الحادث، ويستمر بعضها عشرات بل مئات السنين.
وبالإضافة إلى تلوث الهواء، يمكن أن تؤدي أي حادثة نووية في مفاعل بوشهر إلى نشر التلوث بسرعة في مياه الخليج التي تعتمد عليها معظم دول مجلس التعاون في تحلية مياه الشرب. فبالنظر إلى هذه المخاطر الحقيقية لمفاعل بوشهر، والتي زاد من حدتها زلزال الثلاثاء الماضي، أصبحت سلامة المنشآت النووية في إيران أمراً يهم المنطقة والعالم، وتؤكد مرة أخرى أهمية أن تسمح إيران بالتفتيش الدولي على تلك المنشآت دون قيود، مما سيساعدها على تعزيز احتياطات السلامة فيها، ويوفر بعض الطمأنينة لجيرانها.