ربما كانت أزمة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب وجماعة الإخوان المسلمين واحدة من المواقف التي اصطفت فيها قطاعات متباينة المشارب، سواء من أتباع الطرق الصوفية، إلى جانب السلفيين، فضلا عن رجال الأزهر الموالين لشيخهم، وقطاعات عريضة من عوام المسلمين الذين ينظرون إلى الأزهر بتقدير كبير، والمثير هنا هو دعم الأقباط لشيخ الأزهر، إذ يرون في شخص الرجل "رمانة الميزان" في مواجهة التنظيمات المتشددة.
وأخيرًا أثارت واقعة تسمم مئات الطلاب في المدينة الجامعية لجامعة الأزهر شهية الإخوان لإقالة شيخ الأزهر، تمهيدًا لاستبداله بآخر "إخواني"، في سياق سعي "الجماعة" للسيطرة على مفاصل الدولة، وفي صدارتها المؤسسة الإسلامية العريقة، لتدخل الأزمة منطقة الصراع بين الإخوان والرئاسة من جهة، والأزهر من جهة أخرى.
والشيخ الطيب الحاصل على الدكتوراه في الفلسفة من جامعة "السوربون" الفرنسية يقود المؤسسة الأقدم في العالم الإسلامي المعنية بتدريس العلوم الشرعية، إضافة لجامعة الأزهر التي تضم نحو ربع مليون طالب، وكذلك المعاهد الأزهرية في التعليم قبل الجامعي الذي يضم مليونا ونصف المليون تلميذ.
وطيلة تاريخه اشتهر الأزهر بالاعتدال والانفتاح على العالم، ويرفض كافة صور التطرف، وتجلى ذلك مرارًا في التصدي للكثير من الفتاوى المتطرفة التي يطلقها شيوخ، سواء كانوا محسوبين على الأزهر أو من خارجه.
وفي مناسبة جمعتني بشيخ الأزهر سألته عن الدور السياسي للمؤسسة فقال إن الأزهر حين أصدر وثائقه المختلفة لم يكن يريد سلب اختصاص السياسيين، لكنه أصدرها بروح وطنية بعيداً عن التورط في أي شأن سياسي، وإنه لا يرغب في التدخل في هذا المضمار فذلك ليس مجاله؛ وإن أهم أولوياته تتمثل في الحفاظ على المصالح العليا للوطن.
لكن مع ذلك تسود قناعة بين معظم المراقبين في مصر مفادها بأن الأزهر كان دائمًا في قلب اللعبة السياسية، وإن اتسم ذلك بما يسمى "القوة الناعمة"، لكنه منذ الثورة بدأ يلعب دورًا أكثر فاعلية، وهو ما يثير مواقف تتفاوت بين تأييد مطلق وآخر مشروط أو متحفظ، وصولا إلى رفض إقحامه في معترك اللعبة السياسية.
وفي ظل "الأزمات الحادة" بدأت تجليات دور الأزهر السياسي بوضوح يوم الثاني من فبراير 2011 عندما بدأت المظاهرات تتجه للفوضى، إذ بادر لإطلاق مبادرة لنبذ العنف وجمع الفرقاء السياسيين للوصول لمخرج آمن.
وجاء نجاح الأزهر في فتح حوارات جادة بين شتى التيارات السياسية في وقت فشلت فيه الرئاسة في مواقف شتى، إذ رفضت المعارضة كل دعوات الرئاسة للحوار، فقد اعتبرته "حوار إذعان" يضع فيه الإخوان قواعد الحوار وأجندته ومساره، وأن الاستعلاء والهيمنة والإملاءات هي سمات الحوار، وبالتالي فلا جدوى منه.
أما فشل الرئاسة في جمع القوى السياسية بينما نجح الأزهر، فالسبب ببساطة يرجع لكون الرئيس طرفًا في اللعبة السياسية، لكن الأزهر يمثل المجتمع بشتى أطيافه، فضلا عن كونه المؤسسة العلمية للإسلام الوسطي.
قصارى القول إن جماعة الإخوان في مصر لا يدعون فرصة لتدعيم مخططهم المتمثل في ترسيخ هيمنتهم على السلطة، وهم يسرعون الآن في ذلك، لإدراكهم أن عامين من الحكم كانا كفيلين بخسارتهم لقطاعات كبيرة من الدعم الشعبي، مما دفعهم إلى انتهاج تكتيك جديد يستهدف التسريع في إحكام القبضة على مفاصل الدولة، قبل الانتخابات البرلمانية التي يشكك المراقبون في إجرائها خلال هذا العام.
غير أن الأمر الذي يكاد يتفق عليه المراقبون، أنه في ظل الاحتقان السياسي الراهن، بعدما ابتليت مصر بحكم الإخوان، تواجه استقلالية الأزهر اختباراً قاسيًا، إزاء محاولات الجماعة الدؤوبة لإحكام هيمنتها على المؤسسة العريقة، شأن غيرها من مؤسسات الدولة السيادية، لكن ما يحدث مع الأزهر عقب فشل الإخوان في الإطاحة بشيخه، هو محاولة سحب البساط من تحت أقدام الإمام، لصالح بعض الدعاة الموالين للجماعة ومشروعها، الذي يمكن اختزاله في كلمة واحدة هي "البقاء" في السلطة حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا.