من يعتقد أن شوارع مدينة الرياض حق لعابر الطريق فعليه أن يتراجع عن هذا الاعتقاد قبل أن يقوم بزيارة إلى هذه المدينة، فشوارع عاصمتنا الجميلة تحول الكثير منها إلى مواقف للعمائر والمحلات التجارية التي يشيدها التجار بدون مواقف، وهكذا حولوا الشوارع إلى مواقف لمنشآتهم وهذا نتيجة طبيعية لترك عاصمة جميلة من أكثر مدن العالم حداثة لتكون رهينة اجتهادات غلبت عليها مصلحة تجار العقار وشركائهم من المسؤولين ليخططوا المدينة بالشكل الذي يخدم مصالحهم الشخصية ويؤدي إلى المزيد من تحقيق المنافع الفردية للمستثمرين على حساب المصلحة العامة. يأتي ذلك متزامنا مع تهاون وعدم مبالاة من بعض رجال المرور بالوقوف الخاطئ بكل أشكاله، وإغلاق الشوارع الفرعية بشكل كامل وإغلاق ثلاثة أرباع الشوارع الرئيسية وترك مسار واحد فقط، وعندما تقابلك سيارة أخرى فأحدكم عليه أن يعود إلى الخلف رغم أنك تسير في شارع عرضه يصل إلى خمسة وعشرين مترا أو أكثر، ولكن السيارات تقف بالطول والعرض في كل جانب. الوقوف المزدوج أصبح ثقافة وسلوكا معتادا، وعليك ألا تغضب إذا احتجزك أحدهم، وعندما يتحول السلوك الخطأ إلى ثقافة مألوفة يمارسها الناس بشكل معتاد فإنها تزداد صعوبة محاربته والقضاء عليه. إذا أتيت مبكرا واخترت موقفا صحيحا فسيارتك محجوزة لا محالة من قبل المخالفين، وعليك أن تدفع ضريبة التزامك النظام وتحبس في مكانك إلى أن يسمح لك من حضر متأخرا ووقف بشكل خاطئ ويحرك سيارته ويفتح لك الطريق للخروج. وهذه الممارسات أوصلت البعض إلى تجنب الوقوف بشكل سليم، أو ترك هذه المواقف والابتعاد عنها، ولا تنخدع عندما تجد المواقف المخصصة متروكة لأنك ستدفع الضريبة، وأي فوضى نتوقع أكثر من هكذا ممارسات تعكس عدم الاستهتار وعدم المبالاة.
المشكلة التي واجهت المدن السعودية هي أن أمر تخطيطها ترك لمن اهتم بمصلحة ملاك العقارات أكثر من اهتمامه بمصلحة المستخدمين للطريق، فارتداد الأربعة أمتار هو أكبر غلطة في تصميم المدن ويجب وقفه على الفور، فماذا تقدم هذه الأربعة أمتار غير تكدس السيارات بشكل غير سليم حتى أصبحت هذه الارتدادات مصدر خطورة على مرتادي الطريق، وقد يكون الوضع أفضل بعدم وجود هذا الارتداد الصغير. تجار العقار والمستثمرون عليهم أن يتنازلوا عن جزء من أرباحهم ويهتموا بمواقف تتناسب مع حجم المنشأة، ويجب أن يطلب منهم تخصيص الدور تحت الأرضي (القبو) ليكون مواقف تتسع لعدد الساكنين، ولا مانع من تخصيص دورين تحت الأرض لتكون مواقف في المنشآت الكبيرة، وعندها يسمح ببناء عمارة مكونة من شقق سكنية توفر موقفا واحدا على الأقل لكل ساكن.
عدم وجود مواقف لا يبرر بأي شكل احتلال الشارع والاعتداء على حق عابر الطريق، وكلنا يعلم أن الكثير من مدن العالم تعاني من عدم وجود مواقف، لكن لا أحد يجرؤ على إغلاق الشارع بهذا المبرر، أما لدينا فمن أمن العقوبة أغلق الشارع ونام حتى الصباح. وإذا أردت أن تعرف مقدار العبث بحق مستخدمي الطريق فاذهب إلى مكتب تأجير سيارات، وسوف تجد محلا مساحته عشرة أمتار أو أقل، وأمامه عشرون سيارة مرصوصة في الشارع، فمن الذي سمح لهؤلاء بإغلاق الشارع بهذه الطريقة وتحويله إلى موقف لسياراتهم. رجال المرور يعرفون جيدا عندما يسافرون إلى مدن مزدحمة ويذهبون لاستئجار سيارة يطلب من المستأجر التوجه إلى مكان مخصص كموقف للسيارات للحصول على سيارته المستأجرة، أما الشارع فهو حق للعابرين لا يجوز لأحد أن يسطو عليه حتى لو وصل الأمر إلى إغلاق هذه المحلات وبقائها بدون مستأجرين، وعلى المستثمرين هدمها وإعادة تشييدها بطريقة ليس فيها تعد على الحق العام.