من أكثر ما تأثرت به في شعر نزار، هو قدرته العجيبة على تقمص شخصية المرأة والشعور بأحاسيسها ثم النطق عن لسانها بقصائد تغنى بها المغنون وعاش معها الناس أحلامهم.... يسمعني حين يراقصني... كلمات ليست كالكلمات... يأخذني من تحت ذراعي... يزرعني في أحلى الغيمات... يخبرني أني تحفته... وأساوي آلاف النجمات... وبأني كنز وبأني... أجمل ما شاهد من لوحات..
هذه القصائد علمتني أن المرأة كائن حي ينبض بالحياة والأحاسيس لا صورة حلوة في برواز الزمن يبدلها الرجل كلما وجد صورة أخرى أجمل أو أنسب لبروازه، إنها تثير في نفسي حس التفكر في الأمور من منظور الطرف الآخر، وكيف أتعايش مع أحواله النفسية وشؤونه الخاصة، وليس من آخر في حياة الرجل أهم من المرأة في جميع أدوارها أما وأختا وزوجة وابنة.
إن أكثر موضوع يؤرقني حين أتفكر في من يهمني أمرهن من النساء من حولي (أمي، زوجتي، ابنتي، أختي) هو حال أي منهن لو تحصلت على واحد من ثلاثة ألقاب "عانس"، "مطلقة"، "أرملة"، فهذه الثلاثية في مجتمعنا ثلاثية قاتلة تحول حياة المرأة إلى دوائر مغلقة من الصراع مع الذات ومع الآخر ومع المجتمع من حولها، لأننا ما زلنا في مجتمع يظن الكثير من أفراده أن المرأة كائن كامل التسيير ممنوع التخيير في كل أمرها وجميع شأنها، ابتداء من أبسط أمورها المتمثلة في إنجاز أعمالها اليومية والتنقل من مكان إلى مكان، وانتهاء بأخص خصوصياتها المتمثلة في الزواج. إننا من خلال هذه الوصاية التي نفرضها على المرأة رغبة منا في حمايتها، نجد للأسف أننا نثقل كاهلها ونقصيها بل ونعرضها للسوء من حيث أردنا أن نجنبها إياه ونحميها.
تخيلت لو أن زوجتي حازت لقب "أرملة" أو أن أختي أو ابنتي أو حتى أمي حازت (لا قدر الله) أحد هذه الألقاب فما المصير الذي ينتظر أيا منهن؟ ماذا لو لم يكن لدى أي منهن دخل كاف لأن تكون لها سيارة خاصة وسائق؟ هل المواصلات العامة في بلدنا مؤهلة لأن تخدمها؟ وإذا كانت لديها سيارة خاصة فهل سيرزقها الله بسائق يوصلها بهذه السيارة حيث تريد ومتى أرادت؟ أم أنها ستكون تحت رحمة وجوده والوقت الذي يمكن أن يمنحه لها؟ ماذا لو مرضت في آخر الليل ولم يكن لها حولها من يلبي حاجتها في حينه؟ هل ستلجأ إلى هذا السائق حتى يعكزها إلى ومن السيارة؟ ماذا لو كان لها فضل مال وأرادت أن تستثمر وليس لها من يعينها سوى ذلك الغريب بكل ما يفرضه المجتمع من قيود على التواصل فيما بينهما؟ كم سيتبقى لها من معاش التقاعد سوى ذلك الثمن الذي لا يسمن ولا يغني من جوع؟ ما هي مصادر الدخل المتاحة لها وقد اعتادت أن لا تعمل؟
هل سيتركها المجتمع في حالها لتكون أسرتها من جديد مثلها مثل الرجل في ذلك أم سنقف أمامها بوجوه صخرية عابسة ونخشى على أنفسنا كلام الناس؟
وفي حالة الطلاق فإذا كان طليقها ممن غادرت الرحمة قلوبهم ولم تعد فماذا ستفعل معه بشأن أبنائها؟ أذكر مرة أن امرأة شابة من الأثرياء جدا اتصلت بي تندب حظها العاثر الذي أوقعها في طليق حرمها من أبنائها طيلة سنوات. تقول لي هذه الشابة "إذا كانت ملاييني ومليارات أبي وعمي لم تساعدني على الحصول على حقي في أبنائي، فما هو حال من هن دوني في الإمكانيات؟"
إن للمرأة حقوقا نهضمها أحيانا باسم الشرع والشرع هو أول من أعطاها إياها. لا بد من وقفة حق موضوعية نتناول من خلالها هذه المواضيع بعد تنحية أصابع الاتهام جانبا. إن تطاول آماد التقاضي الخاصة بقضايا المطلقات والأرامل للحصول على مستحقاتهن يحتاج إلى إعادة نظر لما يوقعه عليهن من ضغط يجبرهن على التنازل عن كثير من استحقاقاتهن دون وجه حق، هذا ناهيك عن أنهن لا يجدن من يمثلهن أمام القضاء سوى محام أجنبي عنهن قد لا يستطعن أن يبحن له بما لديهن مما تختص المرأة بمعرفته والحديث فيه.
الذي أرجوه أن يكون أول من يقف هذه الوقفة هم مشايخنا الأفاضل ذوو الكلمة المسموعة والعلم الغزير؛ ليقولوا كلمة الحق في هذا المجال وليحموا المرأة من فتح أبواب الانحراف بعد أن تضيق عليها أبواب الذرائع المسدودة سبل العيش الكريم والوصول لحقها.