بسبب محدودية وسائل الاتصال والتواصل، كانت النقاشات الساخنة التي عرفت بـ"المعارك الأدبية"، تقتصر على أطرافها الرئيسين، مع دخول بعض المختصين أو المهتمين بالموضوع محل النقاش، ولذلك بقيت ـ في الغالب ـ تدور في الجوانب العلمية والأدبية محل النقاش. أما في زمن "تويتر" و"فيس بوك" فمجرد أن يُطرح رأي مثير للاهتمام في أي مجال ثقافي أو اجتماعي أو سياسي ، فسترى المئات بل قد يصل الأمر إلى الآلاف من المشاركين الذين يدلون بآرائهم ويعلقون خلال ساعات قليلة، وهذا قد يثري الموضوع، ويزيد العمق في الطرح والبحث عن الحقيقة بشكل أكبر، لكن غالبا، ما يفسد الحوار بتحويله إلى "تراشقات" شخصية وتحزبات لتيارات وأشخاص، وذلك على يد بعض من "يتطفل" بالدخول في النقاش وهو بعيد كل البعد عن الفكرة المطروحة، فقد لا يكون ملما حتى بأسماء وإنتاج المتحاورين الأصليين، وليس لديه أية خلفية عن لب القضية.
وقبل أيام طرح الدكتور حمزة المزيني قضية مهمة حول تقديم الدكتورعبدالله الغذامي لكتاب حصل به صاحبه على الدكتوراه من جامعة يقال إنها غير معتمدة (حسب ما أورده المزيني، وحملة الشهادات الوهمية على تويتر).
وهي ولاشك قضية ثقافية مهمة لأنها قد تبدأ بكتاب واحد وناقد واحد ، ثم تتوسع إلى آفاق أكبر، وهو ما يمكن اعتباره إعادة قراءة وتقييم لما ينتج محليا، وإحداثا لحركة نقدية تعيد تموضع بعض الكراسي التي اعتادت أن تكون في مقدمة المشهد الثقافي السعودي في كل مناسبة.
ومن خلال حديث شخصي مع الدكتور المزيني حول الموضوع يظهر أنه قرر النأي عن الدخول في جدل "تويتر" على الرغم من وجود حساب له، يطرح عبره مقالاته وآراءه في مختلف القضايا. وربما يقتصر الأمر على الاستمرار في طرح القضية عبر مقالات أخرى، مما يدل على أن الموضوع حجر أساس لمشروع أبعد مما يظهر عليه الآن.
وبعيدا عن أمر الكتاب والرسالة العلمية والأشخاص المعنيين في النقاش، فإن ما يمكن التساؤل عنه هو: هل بدأ النقاد والأكاديميون السعوديون في نزع رداء المجاملة الشخصية فيما بينهم على حساب الموضوعية والعلمية، التي جعلت البعض منهم يهمس في المجالس الخاصة بأن طرح الناقد فلان أو إنتاج المبدع فلان "ضعيف" ولا يستحق الهالة الإعلامية حوله. وعندما تطلبه أن يصرح بهذا على منبر ثقافي أو إعلامي يرفض رفضا قاطعا بحجة "الحياء" و"مراعاة الزمالة"..!
ولذلك طغت على ساحتنا الثقافية قراءات وآراء الإشادات "الفارغة" من أي مضمون نقدي أو فكري، مما أفقدها ـ الساحة ـ الحيوية والمراجعة ، وكرس أسماء الثمانينات والتسعينات وكأنها من "المقدسات" التي لا تقترب.
شخصيا، أتمنى أن تكون خطوة المزيني بداية لمسح "خطيئة" النقد السطحي "المجاملاتي" الذي تغص به المنابر ووسائل الإعلام.