حذر الرئيس الأميركي إبراهام لينكولن مرة بأنه "لا يمكنك أن تخدع كل الناس كل الوقت".
وزير الخارجية الأميركي جون كيري أكمل لتوه ثالث رحلة له إلى الشرق الأوسط منذ استلامه مهام منصبه في فبراير الماضي. آخر زيارة له بدأت يوم الأحد 7 أبريل، بزيارة إلى رام الله ولقاء الرئيس محمود عباس. في اليوم التالي التقى مع رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض والرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز. قضى باقي زيارته التي طالت 3 أيام في لقاءات مغلقة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وبحسب مصادر من إدارة أوباما، ستتكرر رحلات كيري ذهابا وإيابا إلى المنطقة كل أسبوعين في محاولة لإحياء عملية السلام العربية –الإسرائيلية المتوقفة منذ زمن.
التزام وزير الخارجية كيري بالمحاولة مرة أخرى لإحياء السلام في الشرق الأوسط يستحق الثناء. لكن هذا الالتزام بالسلام لا يختلف عن فيلم هوليود "مهمة مستحيلة"، خاصة بعد زيارة الرئيس باراك أوباما الأخيرة إلى إسرائيل وفلسطين. في الوقت الذي فيه أنهى أوباما أداءه وكأنه نجم غنائي في إسرائيل، كان أكثر الصهاينة تشددا في إسرائيل، مثل دانيال بايبس، يغرقونه بالمديح والثناء. فأوباما كان أول رئيس أميركي يوافق علنا أن إسرائيل هي "دولة يهودية"، هو لم يقلها فقط علنا، لكنه أعطى محاضرة للرئيس عباس حول ضرورة أن يتقبل الفلسطينيون حتمية وجود دولة صهيونية ذات أغلبية يهودية إلى الأبد.
لا أحد في الشرق الأوسط فاته فهم رسالة أوباما، لم تكن زلة لسان، كانت تنازلا دائما كبيرا لنتنياهو وشركائه في التحالف الجديد، الذين يطالبون علنا بضم معظم أجزاء الضفة الغربية بشكل دائم كشرط مسبق للسلام.
في محادثاته مع القيادة الفلسطينية، تحدث وزير الخارجية كيري عن إعادة إحياء مبادرة الملك عبدالله للسلام، التي ابتكرها عندما كان وليا للعهد. تلك المبادرة تبنتها الجامعة العربية في 2002 ثم في 2007. بحسب بنود المبادرة، ستطبع الدول العربية علاقاتها مع إسرائيل حالما تنسحب إسرائيل بشكل كامل من جميع المناطق المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، على أن تتوصل إلى تسوية عادلة لأزمة اللاجئين الفلسطينيين تستند إلى قرار الأمم المتحدة رقم 194. بالطبع فإن نسخة أوباما وكيري من مبادرة السلام العربية تتطلب بعض التغييرات، بما في ذلك رفض حدود 1967. هذه "التغييرات البسيطة"، كما تقول عنها الولايات المتحدة، تم رفضها مباشرة وبقوة من قبل الفلسطينيين.
بدوره وضع نتنياهو شروطا مسبقة مستحيلة لاستئناف المفاوضات لا يستطيع أي رئيس فلسطيني أن يقبلها. بحسب صحيفة معاريف الإسرائيلية، طالب نتنياهو بتجميد جميع الأعمال الفلسطينية في الأمم المتحدة، وعدم الذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية، وإنهاء التحريض ضد إسرائيل والاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية.
ورغم محاولة الدعائيين الأميركيين استخدام مصطلح "مبادرة عبدالله" في محاولة لإخفاء كيف رضخت أميركا لإسرائيل، إلا أن التاريخ يظهر أن خطة أوباما-نتنياهو لا علاقة لها بـ"مبادرة الملك عبدالله".
الملك عبدالله، عندما كان وليا للعهد، ابتكر خطة بارعة لاتفاقية سلام شاملة بين الدول العربية وإسرائيل. في خطابه في قمة الجامعة العربية في بيروت في 27 مارس 2002، أعلن ببلاغة أن القضية الرئيسة في قلوب وعقول العرب والمسلمين هي استعادة الحقوق المشروعة في فلسطين وسورية ولبنان. وأكد الملك عبدالله (الأمير في ذلك الوقت) على حق استخدام السلاح للدفاع عن النفس ورد العدوان. لكنه أضاف "نحن نؤمن بالسلام عندما يستند إلى العدل والمساوة، وعندما يؤدي إلى إنهاء الصراع. فقط ضمن هذا الإطار للسلام الحقيقي يمكن للعلاقات الطبيعية أن تزدهر بين شعوب المنطقة وتسمح للمنطقة بالسعي نحو التنمية بدلا عن الحرب". بعد ذلك قدم الملك عبدالله مبادرته التي وجهها إلى مجلس الأمن الدولي استنادا إلى قضيتين: العلاقات الطبيعية والأمن لإسرائيل مقابل انسحابها من جميع الأراضي العربية المحتلة واعترافها بدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس وعودة اللاجئين.
ومع أنه تم إلباس مهمة كيري ثياب السلام والتنمية الاقتصادية في الضفة الغربية، من أجل إنهاء حالة عدم الثقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، إلا أن الحقيقة هي أن كيري لديه أولويات أخرى. قد يتضح فيما بعد أن فكرة إعادة إحياء عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية لم تكن إلا غطاء لجدول أعمال أكثر شرا، جدول أعمال حرب واتفاقات سرية.
جدول الأعمال الحقيقي له علاقة أكثر بقلق واشنطن من استمرار الأزمة في سورية، والخلاف "الودي" بين إسرائيل والولايات المتحدة حول برنامج إيران النووي. الصراع السوري انسحب بالفعل إلى لبنان وخلق مشاكل سياسية داخلية للحكومة التركية، وهو يهدد المملكة الهاشمية الأردنية. واشنطن قلقة أيضا على الاستقرار السياسي للمغرب، إحدى الدول الإسلامية القليلة التي لها علاقات ودية مع إسرائيل.
رحلة كيري تصادفت مع نهاية آخر المباحثات النووية بين دول مجموعة 5+1 مع إيران حول القضية النووية، وقد انتهت جولة المفاوضات دون تحقيق أي تقدم. إسرائيل تفكر في دق طبول الحرب، وقال أحد كبار أعضاء حكومة نتنياهو أن أمام الولايات المتحدة أسابيع فقط – وليس شهورا - لتقرير ما إذا كانت ستشن عملا عسكريا ضد إيران أم لا.
هناك أيضا مؤشرات؛ أنه رغم "دبلوماسية الهاتف" التي رتبها أوباما عندما اعتذر نتنياهو من رئيس وزراء تركيا، فإن البلدان لا يزالان على خلاف. هذا يعقد أي قرار أميركي بخصوص سورية.