ماجد محمد الوبيران
حين كنت طالباً في المرحلة الثانوية والجامعية كان إمام مسجد الحي الذي أسكنه شيخاً فاضلا .. كان يبحث عن الفائدة في أمَّات الكتب؛ لينقلها للمصلين معه من خلال مواعظ قصيرة كان يعقدها بُعيد أحد الفروض.. وكان لتلك المواعظ أثر كبير في ثقافة المصلين الدينية، كما كان يحرص على ضبط المسجد، فهو لا يرضى بالعبث فيه، أو إهماله، أو بعض التصرفات اللاهية التي كانت تصدر من بعض صغار السن كالضحك واللعب وغيره.. ذات مرة أسمعنا موعظة تطرق من خلالها لطلاب الجامعات ونقص ثقافتهم الدينية، وكنتُ وقتها طالبًا جامعيًّا ، فما كان مني إلا أن كتبتُ رسالة دفاعٍ عن الجامعيين ووضعتها له في محراب المسجد، لأتفاجأ به في اليوم التالي يقرأها علينا في المسجد مبديًا اعتذاره عما بدر منه من غير قصد.. كان لذلك الإمام تأثير إيجابي في حياتنا.
أكتب هذا الكلام ونحن نصلي اليوم مع إمام فاضل، هو غاية في النبل والحلم .. لكنه ينأى بحيائه الكبير عن أن يجرح أحدًا .. فهو مقلٌّ جدًّا في تثقيف الشباب الصغار، أو التنبيه على أخطاء المصلين من نغمات الهواتف الموسيقية وغيرها.
صغار السن اليوم بحاجة إلى توعيتهم دينيًّا بعيدًا عما يتعلمونه في المدارس، وإمام المسجد خير من يقوم بهذا.. ذات يوم صلى بجنبي العشاء صبي أظنه طالبًا في المرحلة المتوسطة كان يتصفح جهازه البلاك بيري ونحن نصلي، وأثناء الجلوس بين السجدتين كان يمدُّ يده ليخفي الجهاز وراءها، يستخفي مني ولا يستخفي من الله، كانت قد فاتتنا ركعة واحدة قمنا للإتيان بها، وكنت أنوي التحدث معه سرًّا، لعل حديثي يقع في قلبه، لكنه قضى الركعة بسرعة، وسلَّم، وخرج .. وجلست أنا، والحزن يعصر قلبي على حال هذا الصبي، وما آل إليه حال كثير من الشبان واستخفافهم بالدين والصلاة !!
أتمنى أن يخصص علماؤنا، وأئمتنا، وطلاب العلم جزءًا من وقتهم ونشاطهم لصالح هؤلاء الصبية وتوعيتهم، ومدهم بالثقافة الدينية الصحيحة بعيدًا عن الغلو والتشدد، وتبصيرهم بسماحة هذا الدين وفضله، وتذكيرهم بضرورة التمسك بالخلق الحسن، وإشراكهم في أعمال تطوعية تحسسهم بالنجاح والإيجابية بعيدًا عن القسوة والتحطيم.. وأهم ما عندي أن يشعر الشاب بتميزه وتفرده بانتمائه لهذا الدين الكامل.