من حقنا أن نفتخر دائما، وفي كل مناسبة، بالقيادة السعودية، وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمين الأمير سلمان بن عبدالعزيز. والمناسبات متعددة إلا أن مناسبة قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ـ الأسبوع الماضي ـ بالموافقة على منح القطاع الأهلي مؤسسات وشركات وأفراد مهلة ثلاثة أشهر لتصحيح وضع العمالة الأجنبية غير النظامية من حيث الإقامة النظامية أو من حيث تطبيق قوانين نظام العمل، وعلى وجه الخصوص مخالفة المواد النظامية التي تحظر على العامل الأجنبي المتعاقد مع كفيله العمل التجاري أو العمل عند غير كفيله.

وفي الحقيقة، إن قرار الملك عبدالله، بمنح المهلة ينبثق من البعد الإنساني والاجتماعي لدى قيادتنا الحكيمة، التي تملك الحق الشرعي والنظامي ـ حسب القانون الدولي وقوانين العمل الدولية ـ في تنظيم وضع العمالة الموقتة والعمالة المقيمة، وتنظيم العلاقة بين حقوق العمال وأصحاب الأعمال، وحق الدولة في تطبيق الأنظمة والقوانين واللوائح المنظمة للعمالة الأجنبية والعمالة المواطنة.

والحقيقة التي لا بد وأن نواجهها ونعترف بها، هي أن معظم مؤسسات وشركات وأفراد القطاع الأهلي ساهمت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في تضخيم قضية العمالة غير النظامية في المملكة، وأقصد بالعمالة غير النظامية تلك المتستر عليها من قبل كفلائها؛ للعمل لحسابهم الخاص في أعمال تجارية أو خدمية مقابل إتاوات شهرية تؤخذ من مكفوليهم.

أو العمالة المخالفة لنظام الكفالة التي تعمل عند الأفراد والأسر السعودية، التي تقوم بتشغيلها كعمالة منزلية رغم معرفتهم بأنها عمالة هاربة من كفلائها الحقيقيين، وتمنحهم مرتبات شهرية أعلى من عقود استقدامهم الأصلية، مما يشجع العمالة المنزلية الأخرى على الهروب من كفلائهم إلى العمل بطريقة غير نظامية عند الآخرين براتب أعلى، وكذلك تفعل الكثير من الشركات والمؤسسات التجارية مخالفةً أنظمة العمل في تعيين عمالة هاربة من كفلائها الأساسيين.

أما العمالة غير النظامية والأكثر خطورة، فهي التي ليس لديها إقامة رسمية، وليس لها كفيل، وهي إما أن تكون عمالة مهربة إلى حدود المملكة أو عمالة متسللة بطريقة غير نظامية، أو هم حجاج ومعتمرون متخلّفون، وقد كانت تقدر أعدادهم بمئات الآلاف سنويا في السنوات الماضية، إلا أن العدد انخفض كثيرا إلى أعداد قد لا تظهر في السنوات القادمة، بعد تطبيق الوسائل الحديثة من قبل وزارة الداخلية ووزارة الحج لمراقبة ومتابعة المعتمرين منذ دخولهم حتى خروجهم بعد أداء المناسك، رغم أنه ما زالت هناك فئة محترفة في الهروب رغبة في العمل في سوق المملكة، وهو سوق محفز لجميع عمالة الدول الفقيرة. هذه هي القضية التي كان من نتائجها تضاعف عدد العمالة الأجنبية غير النظامية وتنافسها غير النظامي للعمالة السعودية، واستخدامها للبنية التحتية المخطط لها لخدمة عدد معين من السكان، هذا إضافة إلى الأثر السلبي للبيئة الاجتماعية القادمين منها، وانعكاسه على سلوكياتهم وأخلاقياتهم على مجتمع المملكة. مما ضاعف نسبة الجريمة على مختلف المستويات وتعدد أشكالها.

إن قضية العمالة غير النظامية في بلادنا قد تفاقمت وأصبحت قضية خطيرة، ومن الواجب علينا جميعا التعاون لمعالجتها، وهي في الحقيقة قضية أمن مجتمع نحن فيه، وللأسف نحن ساهمنا في تضخيم القضية ولا أعفي نفسي من المسؤولية، وأنا قد أكون أحد المخالفين بصورة مباشرة أو غير مباشرة، ورغم جميع الحجج والأعذار والأسباب التي نضعها نحن في القطاع الأهلي، إلا أنها لن تعفينا من المسؤولية. وعليه فأنا وزملائي في القطاع الخاص لا بد لنا أن نقدم الشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين على إعطائنا مهلة ثلاثة أشهر لتصحيح أوضاع العمالة غير النظامية، وهو قرار يمثل حكمة القيادة ممثلة في الملك عبدالله بن عبدالعزيز صاحب القلب الكبير والفكر السديد في معالجة القضايا وإيجاد الحلول الملائمة التي تراعي جميع الظروف. متمنيا أن يلحق بقرار المهلة توجيه لوزارة العمل والجهات المسؤولة الأخرى بتسهيل مهمة نقل الكفالات للعمالة التي تعمل لدى غير كفلائها، دون ربطها بشروط النطاقات وغيرها من الشروط الأخرى التي يصعب تحقيقها خلال أشهر المهلة الثلاثة.

ولم يبق لي أخيرا سوى أنني أناشد القطاع الأهلي بالتعاون عاجلا لتصحيح أوضاع العمالة الأجنبية خلال المهلة، وأجزم أن الدولة لتحقيق المصلحة العامة سوف لن تتراجع عن تطبيق النظام بعد أن انتهاء المهلة.