يتوقع علماء الاجتماع، والمتخصصون في علم الإحصاء الاجتماعي أن يكون هناك ثبات، أو انخفاض نسبي في عدد السكان في السنوات القادمة، وينسبون هذا التغير النسبي في عدد السكان لعدد من العوامل الاجتماعية، والاقتصادية، والتربوية، والثقافية، وهذه العوامل أدت إلى عزوف كثير من الشباب (بنين وبنات) عن الزواج، وهذا بدوره قد يؤدي إلى الحد من الزيادة في عدد السكان أو ثباته، وتعد النواحي الاجتماعية من أهم العوامل التي قد تسهم في العزوف عن الزواج، فالمشكلات الأسرية اليسيرة التي تنتهي بالطلاق قبل نهاية العام الأول من الزواج، وفي الغالب تكون أسباب الطلاق تافهة جداً ولا تصل إلى حد أن تكون دافعا للانفصال، والطلاق، ولكن هذا هو واقعنا حيث يتم الطلاق نتيجة لمشكلة صغيرة بين الزوج وزوجته، وذلك لأن مستوى تحمل الشباب منخفض مقارنة بتحمل الجيل السابق لأقسى الظروف الاجتماعية، كما أن أسر كل من الزوجين لم تعد تبذل جهودا كبيرة مثلما كانت تبذلها في السابق في سبيل الإصلاح، وإنهاء الخلاف، وحل المشكلات بين الزوجين، ولذلك تولد لدى كثير من البنات، والأولاد شعور بالإحباط، والتخوف من الزواج خوفا من الفشل، ومن الوقوع في الطلاق، ومن عدم القدرة على تكوين أسرة مستقرة، وبذلك نرى أن هناك عزوفا بدرجات كبيرة لدى كل من البنين والبنات عن الزواج خوفا من المرور في خبرات مشابهة لخبرات الآخرين في هذا المجال، كما أن كثيرا من المتزوجين الجدد لا يرغبون في الإنجاب بعد الزواج مباشرة مثلما كان عليه آباؤهم، بل ينتظرون لوقت من الزمن وبنوع من التردد في الإنجاب لأسباب يرونها هم، ومقتنعون بها، وبذلك يسهم ذلك في الانخفاض النسبي في عدد السكان.

كما أن العامل الاقتصادي له تأثير واضح في عملية الإقدام على الزواج أو الحد منه، فكثيرا من الشباب يرغب في الزواج، ولكن الكلفة المادية التي يتطلبها الزواج في مراحله المختلفة قد تحول دون ذلك، وقد يتخوف كثير من الشباب من البدء بتكوين أسرة مثقلة بالديون نتيجة للقروض التي يحصل عليها لكي يتزوج، ولذلك يتم تأخير عملية الزواج نتيجة لعدم القدرة ماديا على الوفاء بمتطلبات الزواج، وما بعد الزواج، ويؤثر ذلك على عدد السكان، وهنا أرى أن يكون هناك تقنين للمهور، وفي تكلفة حفلات الزواج التي ترهق المتزوجين في بداية حياتهم، ويمكثون وقتا طويلا في تسديد هذه الديون، وقد ألتمس العذر لبعض الشباب الذين يعزفون عن الزواج نتيجة للديون المتوقع أن يقعوا فيها نتيجة لكلفة الزواج غير المبررة، وهنا أنادي بأن يكون الزواج عائليا بقدر الإمكان، وأن يكون بأقل تكلفة، وبذلك نشجع الشباب على الزواج لكي نسهم في حل مشكلة العنوسة.

العامل الآخر الذي يسهم في العزوف عن الزواج عند كل من البنين والبنات هو العامل التربوي، فكثير من الجيل الجديد يتخوف كثيرا عندما يفكر في الزواج وفي تكوين الأسرة، ولا يفكر كثيرا في الإنجاب إذا تزوج اعتقادا منهم بأنهم لن يستطيعوا تربية أطفالهم بالشكل المناسب وفي ضوء الظروف الحالية، حيث كان المجتمع في السابق يسهم بمؤسساته المختلفة في مساعدة الأسر في تربية أبنائها وبشكل كبير، أما في الوقت الحاضر فدور هذه المؤسسات تقلص بشكل ملحوظ، وأصبحت الأسرة هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن تربية أفرادها، وقد يأتي الوقت الذي تكون هي المسؤولة الوحيدة عن هذه المهمة، فالشارع قد يقوم بالتربية بشكل قد لا يتوافق مع تطلعات الأسرة في مجال التربية الصحيحة، كما أن وسائل الإعلام المختلفة خاصة الإعلام الجديد قد تكون له آثار سلبية على تربية الأطفال، كل هذه العوامل المتعلقة بتربية الأطفال قد تولد شعورا غريبا عند جيل الشباب يؤدي إلى تخوفهم من عدم استطاعتهم تربية أبنائهم تربية صالحة، ومن ثم يتكون لديهم نفور من الزواج، وقد يعمد كثير منهم إلى تأخير الزواج، أو الإنجاب لهذه الأسباب، كذلك العوامل الثقافية تلعب دورا في عزوف بعض الشباب من خلال زيادة الوعي الثقافي لديهم فيما يخص تكوين الأسرة، وتربية أبنائها، ورغبتهم في تكوين أسر تتم تربيتها بمستوى عال من الإعداد للحياة المستقبلية.

وهنا أرى أن هذه العوامل قد تحد من الإقدام على الزواج في الأيام المقبلة، ومن ثم يكون هناك ثبات، أو استقرار في أعداد السكان في المستقبل، وحقيقة الأمر أن جيل اليوم بحاجة للمساعدة لكي يتخلص من هذا التخوف، أو من الشعور بعدم القدرة على الزواج، وتكوين أسرة وهذا يتطلب حوارات، ونقاشات من خلال الوسائل الحوارية المختلفة لكي يتم التغلب على ذلك، ويبدأ الشباب في تكوين أسر، وفي تربية أفرادها، كما هم بحاجة لتقديم المساعدة المالية للتغلب على العامل الاقتصادي، وغيره من العوامل، أعان الله شبابنا على التخلص من هذا التخوف ولا للعزوف عن الزواج.