هل هذه المعاناة الفظيعة المستمرة منذ أكثر من ستين عامًا، والدماء الغزيرة التي أريقت، والآلاف التي شردت، والملايين التي تعيش في الشتات، هل كل ما أصاب الفلسطينيين قدر تاريخي؟ أم سوء حظ؟ أم هو سياسات خرقاء لزعمائهم ولبعض الزعماء العرب؟ أم أن حجم المؤامرة أكبر من هؤلاء وأولئك! والمأساة بل النكبة التاريخية المؤلمة لشعب اقتلع من أرضه.. وطرد منها هل هو قضاء وقدر تاريخي يجب التسليم به، مع أن أحدًا لا يستطيع الاطلاع على لوح القدر الذي هو من أسرار الغيب!

يا لها من مأساة أرّقت ليس شعبًا صغيرًا من شعوبنا العربية وحسب؛ وإنما أصابت أمة كاملة وصل تعدادها الآن إلى 350 مليونًا من العرب والمستعربين! واستنزفتنا ماديًّا ومعنويًّا، طوال أكثر من نصف قرن، ولا تزال مستمرة.. ربما حتى تأتي معركة (أرمجـدون) الأسطورية التي يقال إنها ستنهي اليهود، أو نزول السيد المسيح من السماء على المنارة البيضاء في دمشق، أو حتى قبيل قيام الساعة كما قرأنا في كتب التفاسير.

طوال نصف القرن المنصرم، سمعنا صباحًا ومساءً، في الإذاعات المسموعة والمرئية أخبار القضية – المشكلة التي تسير ويا للأسف من سيئ إلى أسوأ! وقرأنا في الصحف والكتب وأخيرًا في "النت" آلاف الصفحات لكتاب عرب ويهود وأجانب، تحليلات وآراء وتخريجات، كلها تصُب في شيءٍ واحد: وهو أن مشكلة فلسطين الآن وبسبب الفشل الذريع المتواصل للزعامات الفلسطينية المتعاقبة وصلف اليهود، ودعم الصهاينة ودول كبرى أهمها الولايات المتحدة الأميركية، لا يمكن أن تحل أو تنحل ولو بحدود الأرض المحتلة عام 1967م التي يتباكى ـ الآن ـ زعماء فلسطين وأبطال "أوسلو" عليها؟! بعد أن اخترقتها المستوطنات وقضمتها، وأصبحت كالجدري المنتشر في وجه خريطتها الصغيرة!

لست سياسيًّا – والحمد لله –! والعرب تقول في أمثالها: لا رأي لمن لا يطاع! ولكن من حقي كعربي متألم لمأساة فلسطين أن أقول بأن الفلسطينيين ومن أيدهم من العرب في ذلك الوقت قد أضاعوا فرصة تاريخية ذهبية لم تتكرر، وهي قرار التقسيم لعام 1947م الصادر من الأمم المتحدة، الذي يعطي الفلسطينيين 49% من مساحة فلسطين التاريخية، التي يتباكون ويتهافتون على أقل من ربعها الآن!

إن قرار التقسيم هذا مثل قرار قيام (إسرائيل) في القوة القانونية والإرادة الأممية، فلماذا لا يصر عليه زعماء "أوسلو"، مع أن "أوسلو" الاتفاق الذي لم يطبق على الأرض وإنما أعطاهم سلطة صورية، وأخيراً مسمى دولة على الورق فقط غير عضو في هيئة الأمم المتحدة وظلوا يفرحون بالفشل ويسوقونه ويا للأسف؟!

والمهزلة – المسرحية (التراجيدية) مستمرة في العرض على مسرح العالم! في ظني أن قرار التقسيم لم يسقط حتى الآن، وللتذكير فرقمه هو: 181 وبتاريخ 29 تشرين الثاني 1947م، ولدى الفلسطينيين حجة دامغة بالإضافة إلى حقهم المشروع، وهي أن (إسرائيل) قامت كدولة بقرار من هيئة الأمم المتحدة، وقد استمدت شرعيتها في الوجود من هذا القرار الذي بموجبه اعترفت الدول بها، كما اعترف بها أصحاب الحق – الفلسطينيون فيما بعد ـ وتركوا حقهم فيه؟!

لماذا لا تؤكد القيادة الفلسطينية الحالية على قرار التقسيم لتبعـثه من جديد؟ بل وتصرُّ عليه؟ وتحاجج به قانونيًّا وتلجأ إلى محكمة العدل الدولية وغيرها كذلك؟ بل وهناك قرار أممي مزامن صدر عن الأمم المتحدة يقضي بالحق في عودة اللاجئين أو تعويضهم، ونُسي كما نُسي قرار التقسيم.

يا لها من فرصة تاريخية، قد تعطي ولو بعد حين؛ الفلسطينيين كشعب نصف حقهم في أرضهم، وتكفر عن زعمائهم بعض أخطائهم وخطاياهم التي ارتكبوها في حق شعبهم، وما زالوا يكررونها.