يمثّل الموقع الجيوبوليتيكي للمملكة الأردنية الهاشمية مشكلة وميزة في آن واحد، فالأردن يتوسط بلدان الشمال العربي الشام وفلسطين والعراق والجزيرة العربية، فيكون ممرا بينها، وهو أيضا مجاور لإسرائيل وفلسطين ومحشور في مشكلاتهما.
الأردن كان له دور حيوي في المواجهة مع إسرائيل، وفي نفس الوقت يلعب اليوم دورا مهما في عملية السلام، خاصة بعد اتفاقيات وادي عربة في التسعينات. ورغم دوره الإيجابي في تعزيز الاستقرار الإقليمي فإن الدوائر الصهيونية ما زالت تطرح بين حين وآخر نظرية الأردن البلد البديل للفلسطينيين. وتحسن أحيانا هذه النظرية بطرح ضم جزء من الضفة الغربية إلى الأردن ليكون مسؤولا عن الفلسطينيين. وفي الطرحين من الخبث والمكر السياسي ما يكفي للقضاء على الأردن بخصائصه التاريخية، وما يؤدي لتصفية القضية الفلسطينية.
لذلك ظل الأردن متوجسا من كافة التحولات الدراماتيكية في الشرق الأوسط. وظل بلدا يساوره القلق من الخطط الإسرائيلية، كما في نفس الوقت من ضغط قوى الصمود والتصدي التي تريد أن يكون ممرا لتصفية دولة إسرائيل، لكن عمان رغم ذلك ظلت ـ وفي كافة المراحل التاريخية ـ وفيّة لخطها المرتكز على الاعتدال والوسطية السياسية وتشجيع مبادرات السلام الإقليمية والدولية. وعرف الأردن بحرصه أن يكون ركيزة من ركائز الاستقرار في الشرق الأوسط، ولولا ما التبس على دوره في حرب تحرير الكويت، لقيل إن الأردن ظل طوال تاريخه عنصرا من عناصر الأمن الإقليمي والاستقرار السياسي بالمنطقة.
وبسبب هذا الدور ظل الأردن هدفا للحملات والخطط المراوغة من كافة الجهات، ولكن أخطرها الخطط الصهيونية في أردن / الوطن البديل، الذي أثير مؤخرا في الدوائر الغربية والإسرائيلية، وأصبح مدعاة قلق الأردنيين والفلسطينيين على السواء، باعتبارها ربما تكون طبخة سياسية فوق نار هادئة.
على المستوى الداخلي الأردني عانى الأردن من الأزمة العالمية، لأنه بلد خدمات بلا موارد، يعتمد على الاقتصادات الخارجية. ورغم أن الحكومة الأردنية نجحت نسبيا في تجاوز الأزمة إلا أن آثارها ما زالت باقية. وهذا ساعد قوى المعارضة الداخلية، وخاصة الإخوان المسلمين، على رفع درجة الضغط على القيادة الأردنية، كيما تغير نظام الانتخابات، كي تحصل على حصص كافية في البرلمان لإيجاد الشغب السياسي مع الحكومة، بما يمكّن المعارضة المتباينة في وجهات نظرها تماما مع الحكومة، خاصة في السياسات الخارجية، أن تفرض أجندتها، وهذا مصدر إحراج للأردن المعتدل والمنفتح، خاصة إذا ما أُخذت تجربة حماس في الجانب الآخر من النهر في الحسبان بكل تداعياتها السياسية الدراماتيكية على المنطقة.
في ظل هذه الأجواء وصل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى الأردن في رابع يوم من جولته العربية التي محضها المراقبون العرب بآمال كبار، والتي شملت مصر وسوريا ولبنان. وفي وضع الأردن على رأس البلدان المهمة في جولة الملك اعتراف واضح بدور الأردن وأهميته الإقليمية والعربية. عمان استقبلت العاهل الكبير بمشاعر الحب والاحتضان، وظل التلفزيون الأردني يردد الأناشيد والأغاني السعودية التي لا تقطعها إلا تصريحات خادم الحرمين التي أطلقها في مناسبة سابقة بأننا لن نترك الأردن، ونفديه بأرواحنا.
واختيار هذا التصريح بدلالاته السياسية يعكس شوق الأردن إلى الدعم السعودي في هذا الظرف السياسي الهام. فالرياض تدرك أهمية الأردن في الجغرافيا السياسية وقيمة دوره السياسي، وما يحيط به وبالمنطقة من تحديات. وحفاوة عاهل الأردن الملك عبد الله الثاني بالضيف الكبير لا تعكس فقط دلالة العلاقة الإنسانية بين العاهلين فحسب، وإنما عمق الحاجة للتضامن العربي الذي يقود قطاره خادم الحرمين الشريفين، وأهمية تحصين الوضع العربي لمواجهة الأخطار المدلهمّة من جميع الجهات، خاصة في ظل التمزق الفلسطيني الفلسطيني، واضطراب الوضع اللبناني والضغوطات الغربية على إيران والصراع بينهما الذي يراد أن تكون الأراضي العربية مسرحا له.
أجرى العاهلان محادثات عاجلة فور وصول الملك عبد الله بن عبد العزيز ثم أقيم على شرفه حفل عشاء عامر بالمأكولات الأردنية، واستكملت المباحثات صباح اليوم التالي (السبت) مما يعكس حجم ضخامة جدول أعمال القمة الأردنية السعودية وأهمية موضوعاتها.
غادر خادم الحرمين عمان باطمئنان أردني تام إلى مساندة سعودية، وارتياح لنتائج جولة القائد العربي الكبير وللجهد السياسي العربي نحو استكمال بلورة رؤية قومية موحدة لمواجهة التحديات الداخلية والأخطار الخارجية.