كما ظهر للجميع فقد جاءت الحملات التفتيشية على العمالة غير النظامية من لدن وزارة العمل ووزارة الداخلية مفاجئة وربما متسرعة مما أحدث - رغم الحاجة الماسة لها - ردات فعل مضادة، كما أسهم هذا القرار - غير المسبوق بجدول زمني - في عرقلة المشاريع الخدمية التي تم الارتباط والتعاقد مع بعض الشركات على تنفيذها، وهي الشركات التي تعتمد على هذه العمالة، وكل هذا التخبط أدى بدوره إلى نشوء رأيين متضادين ومتصادمين مع هذه الحملة التطهيرية.

أما دعاة السعودة والإحلال فهم الذين يرون أن العمالة السائبة وغير المدربة وغير المنظمة قد زاد وجودها عن المعدل الافتراضي المحتمل، وذلك من حيث عددها الكبير ومن حيث تمتع كثير من أفرادها الذين توطنوا وأسسوا لهم في هذه البلاد مصالح ومنافع صاروا يعدونها من المكتسبات والحقوق الأساسية التي لا يسمح ولا يجب المساس بها حتى مع كونهم مخالفين وحتى مع كونهم يضيقون على المواطن في خياراته الوظيفية والاستثمارية، وبالمقابل يبرز على الضفة الأخرى رأي وطني مضاد نابع من أولئك الذين يتاجرون من خلال التكسب بهذه العمالة وتأشيراتها وكفالاتها وجلبها ثم إطلاق سراحها في المدن والقرى والهجر مع تحصيل "مكوس" ومبالغ شهرية محددة منهم فإنهم بالطبع ضد هذه الحملة التي جاءت لتحرق الأخضر واليابس وتقضي على هذه المكاسب التي يجنيها المواطن للتاجر والوافد غير النظامي على حساب المواطن الذي هو أولى بهذه النوعية من الأعمال في تجارة التجزئة وغيرها، بل إن كثيرا من المواطنين "الكسالى" الذين يتوسدون البطالة وينتظرون "حافز" إنما يحتجون بضيق الفرص ومزاحمة الوافد لهم وما كان حريا بهم الركون إلى الدعة وترك الفرصة لهذا الوافد الذي يجني "ذهبا" من هذه الفرص المتروكة.

عندما بدأت هذه الحملة بفجائيتها وسرعتها همس في أذني خبير بعاداتنا وقال: إنها مجرد زوبعة ولن تتعدى أسبوعا أو نحوه ثم ستتوالى الشكاوى من أصحاب المنافع بدعوى التضرر والدعوة لإيقاف هذه الحملة ثم سيتم إيقافها لأن صوت النفعيين والأنانيين أقوى وليس عليهم ملامة لأنهم يحصدون المكاسب بأقل جهد، وبالمقابل فإن الكسالى والعاطلين والذين يعانون البطالة من شبابنا يشعرون بالارتياح وهم يجدون حجة وعذرا لكسلهم فيجلدون الوطن عبر تغريداتهم لمجرد عدم حصولهم على الوظيفة التي صممها خيالهم فقط، لأن الحاجة ليست هي حافزهم، فقد تعودوا على الاتكالية واعتمدوا على "العائلة" وعلى "البابا" الذي يرعاهم من المهد حتى .....

ثم لقد تم - كما توقع صديقي الخبير - تأجيل هذه الحملة مع إعطاء الفرصة ثلاثة أشهر للجميع لتصحيح أوضاعهم، ويرى صاحبي أن الأشهر الثلاثة ستمتد إلى ستة أشهر، ثم ستمتد إلى ما لا نهاية، أما أنا فقد كنت أدرأ تشاؤمه وأصد آراءه بتفاؤلي بأن الحملة التطهيرية ماضية إلى نهايتها وأن رمضان لناظره قريب.

إن مما يعبر عن انتشار الفساد والمحسوبية لدينا الحملات الشرسة التي تقف ضد قرارات وزارة العمل لأنها قرارات تتصادم مع مصالح النفعيين والفاسدين والأنانيين من المواطنين، ولهذا كان جديرا بالوطن والمواطن المخلص أن يدعو بالرحمة والمغفرة لوزير العمل المرحوم الدكتور غازي القصيبي الذي وضع كل سهامه في جراب وزارة العمل، وهو الوزير النابه والناجح في كل وزارة تولاها، لكنه كان ضحية الهجوم اللاذع لما تولى وزارة العمل بقراراته الوطنية المخلصة والنزيهة ونحتسب عند الله أن يجعل كل الشتائم وكل السب الذي طاله في ميزان حسناته.

كما نشد على وزير العمل الحالي المهندس عادل فقيه الذي يصادم بطريقته المباشرة كل المسلمات التي تعود عليها أهل المنافع فصار المساس بها نوعا من المستنكرات والممنوعات التي توجب الشتم واللطم.