تعد الحرب النفسية إحدى أقوى الوسائل للقضاء على الخصوم، لكونها تستخدم سلاحا نافذا وهو السلاح المعنوي والذي لا يحتاج لقرع طبول ولا لنفير أبواق. هذه الحرب تقوم بتسخير كافة الأساليب النفسية للإخلال بمشاعر وسلوكيات المستهدف، شخصا كان أم فئة، حتى يتخبط معنويا ومن ثم يسهل إبعاده أو الوصول إليه والإجهاز عليه.

ما يميز هذه الحرب عن غيرها أنها لا تحتاج لقوات عسكرية، وإنما بالإمكان شنها من داخل المؤسسات والقطاعات المختلفة ضد نظيراتها، والمصيبة عندما تشنها هذه القطاعات ضد منسوبيها من المواطنين لأهداف مجهولة ومريبة.

تقوم وزارة الصحة دوريا بإرسال رسائل تقويض معنوية على هيئة أخبار وتصريحات عن الكوادر الصحية المختلفة لاستعراض سلطاتها الصحية الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية. فتارة تقر كادرا صحيا من دون الأخذ برأي ذوي الشأن، الممارسين الصحيين، وتارة تقوم بنشر إعلانات التوظيف الصحي للقاصي والداني من خارج المملكة. هذه الرسائل الخفية لا تقف هنا بل تتجاوزها للتذكير بأنها الخصم والحكم في كل قضية خطأ طبي أو تخبط إداري، وتستمر هذه الرسائل لتلقي بظلالها المستمدة من كل هيكل تنظيمي صحي بدءا بمجلس الخدمات الصحية وانتهاء بالوزارة نفسها.

التخطيط الممنهج، علما أو جهلا، لتقويض معنويات أبناء الوطن وبناته في القطاع الصحي بحاجة لوقفة وإيقاف. هؤلاء من أثمن الأيدي العاملة وأهمها، بل ومعيار تنموي لا يخلو تقرير عالمي منهم، كما ونوعا، فكيف يتم إحباطهم بسياسات وقرارات صحية متخبطة الواحدة تلو الأخرى؟ من المسؤول عن تهجير استثمار برنامج خادم الحرمين الشريفين في مبتعثي الصحة خارجيا وفي خريجي برامج الزمالات السعودية داخليا؟

تغص وسائل الإعلام بمطالبات إعادة النظر في قرارات الصحة، مما اضطر الأطباء وبقية الممارسين الصحيين للانضمام لطابور المناشدات واعتلاء المنصات الإعلامية للمطالبة بحقوقهم المعنوية والمادية، والصحة ما زالت تعاني من الصمم الانتقائي لعلمها بأن هذا الضجيج المهني لن يتجاوز حلقة برنامج أو تحقيقا صحفيا.. ولعلمها بأنه لا وجود لنقابات تمثلهم وتذود عن حقوقهم.

وزارة الصحة غالبا لا تخرج عن صمتها إلا للإعلان عن حملة استقدام أيد عاملة صحية من الخارج، كان بالإمكان ملء جزء ليس بالهين منها بأبناء وبنات الوطن والذين تم تقييدهم بكادر تهجيري مدروس. حملات الاستقدام الصحية الدورية انتقلت لمستوى أعلى هذه المرة لتصل لدعم الأممية الكوبية الطبية عن طريق تقوية مشروعها العريق، والذي بدأ مع الثورة الكوبية في العام 1959 والقائم على تصدير الأطباء كأحد أهم السلع الاستهلاكية عالميا لرخص اليد العاملة ولا علاقة له بجودة أطبائها، كما تزعم أخبار وزارة الصحة.

الأطباء وبقية الطواقم الصحية تختلف عن بقية الموارد البشرية، فهؤلاء عملة نادرة تتلقفها الدول وخاصة عندما تقوم بتدريبهم خارجيا أو تخريج من يدربهم محليا. هؤلاء يحملون رخص ممارسة عالمية، فلغة الطب والصحة موحدة، ومهما قاوم جزء منهم الهجوم المعنوي المُحبط من قبل "الصحة"، فإن الأغلبية سترحل ولو بعد حين صوب من يقوم بتقديرها ويضمن لها مكانتها، كل حسب جهده وتحصيله، عوضا عن إدراجهم في سلم رواتب يعكس رؤية الوزارة تجاه أطبائها وطواقمها بكونهم مجرد موظفين.

نجحت "الصحة" في حربها النفسية في زمن مضى، وكانت غنائمها أن أصبح 80? من موظفيها من غير المواطنين، وها هي تكثف جولاتها وصولاتها ما بين تهجير واستقدام صحي وتراهن على مواطنة أجيال حالية وقادمة من الطواقم الطبية والصحية في الداخل والخارج، ولعله حان إيقاف مشروعها.