أكتب هذا الأسبوع من مملكة البحرين، حيث عقدت الدورة الأولى من "ملتقى البحرين الدولي" المخصصة لمناقشة التحول الديموقراطي في مملكة البحرين. في الحرم الجامعي لجامعة البحرين في منطقة الزلاق، بقرب العاصمة البحرينية.

وفي حين أن الجامعة قد نظمت من قبل ملتقيات دولية أخرى لمناقشة مواضيع فنية وعلمية، فإن دورة هذا العام هي الأولى لمناقشة قضايا سياسية داخلية، وهي دليل على الثقة بالنفس حين تدعو خبراء عالميين لمناقشة هذه القضايا في جو منفتح وصريح.

فقد دُعي لهذا الملتقى خبراء من أنحاء العالم ليناقشوا مع نظرائهم في البحرين "مسيرة التطورات المؤسسية والإصلاح السياسي في البحرين، والتحديات التي تواجه التحول الديموقراطي والاستقرار، في ضوء السياق الاستراتيجي للمنطقة".

وشارك في الملتقى عدة مئات من داخل البحرين وخارجها، حيث نُظمت المناقشات وفق أربعة مسارات متزامنة: المسار الدستوري، المسار القضائي، المسار الاقتصادي، والمسار السياسي. وشاركتُ في المسار الدستوري الذي ناقش مواضيع في صميم "الحوار الوطني" البحريني الذي استؤنف هذا العام وجلساته مستمرة.

وفي نهاية المطاف، فإن مملكة البحرين هي من ستقرر طريقها الذي ترضاه، ودور الخبير الخارجي تقديم منظوره الدولي أو الأكاديمي المتخصص.

وفي الورقة التي قدمتُها للجنة الدستورية في الملتقى، أشرتُ إلى أن الترتيبات الدستورية في البحرين قد قطعت شوطا كبيرا منذ دستور 1973، خاصة منذ تولي الملك حمد مقاليد الحكم في 2000، وتبني ميثاق العمل الوطني، ثم دستور 2002، وتعديلات 2012. فعلى سبيل المثال، نص دستور 1973 بصفة عامة على الشكل الديموقراطي للحكم في البحرين، ولكنه لم يشر إلى "الملكية الدستورية". وبالمقابل تنص المادة الأولى من الدستور الحالي أن: "حكم مملكة البحرين ملكي دستوري وراثي"، وأن "نظام الحكم في مملكة البحرين ديموقراطي، السيادة فيه للشعب مصدر السلطات جميعا".

ويتضمن الدستور كذلك قائمة واضحة بحقوق المواطن، ومسؤولية الدولة في حماية حقوق الإنسان، وهذا ما يشكل جوهر أي نظام دستوري.

ومن ناحية أخرى، فبموجب تعديلات 2002 و2012 أصبحت معظم الصلاحيات التشريعية في يد مجلس النواب المنتخب، مقارنة بمجلس الشورى المعين.

وهذه الترتيبات الدستورية في البحرين متقدمة كثيرا في منطقة ما زالت الأبجديات الدستورية فيها محل جدل وخلاف. ومما يلفت الانتباه حقا درجة التوافق في البحرين عليها، فمعظم العناصر الجديدة في دستور 2002 وتعديلاته قد بُنيت على ما تضمنه ميثاق العمل الوطني الذي أقر بما يشبه الإجماع (98% من المشاركين). ومن النادر أن يتحقق مثل هذا الإجماع الواضح في أي مكان في العالم.

وعلى الرغم من هذا التوافق الساحق، ما زال البعض ينادي بالعودة إلى المربع الأول لإعادة مناقشة المبادئ الأولية، والتي رأينا أنها متقدمة بخطوات، وأكثر من كافية للمرحلة الحالية من التطور السياسي في البحرين.

ووفقا لأعضاء من المجلس الوطني شاركوا في المنتدى، فإن الأولوية في الوقت الحاضر يجب أن تكون لاستيعاب وتفعيل دستور 2002 وتعديلاته لا البحث في تعديلات جديدة. ولذلك فإن من غير المجدي تشتيت الجهود في محاولات جديدة للنقاش حول تلك النصوص أو تعديلها مرة أخرى. فالاستقرار مطلب ضروري لأي نظام دستوري، والاستمرار في تعديله يمكن أن يكون مفرّقا ومزعزعا لذلك الاستقرار ومؤجلا للاستفادة مما تضمنه من حقوق للمواطن البحريني.

ولذلك فإن ما هو أكثر أهمية هو تطوير الأدوات الضرورية لتفعيل الضوابط والضمانات والتوازنات التي نص عليها الدستور، فهي ما سيحقق الرؤية الواضحة في الدستور نحو تحول ديموقراطي متكامل ومتوازن. وتشمل تلك التوازنات والضوابط ما يلي:

أولا: المحكمة الدستورية، أحد العناصر الجديدة في ميثاق العمل الوطني ودستور 2002، وهي ضرورية للمراجعة القضائية للتأكد من دستورية القوانين والتعليمات التي تصدر عن مؤسسات الدولة.

ثانيا: المساواة أمام القانون، حيث يتضمن الدستور والقانون القواعد التي تحمي المواطن، والسلطة القضائية المستقلة للتحقق من تطبيق تلك القواعد على أرض الواقع.

ثالثا: حرية التعبير، وفقا للدستور والقانون، لأن هذا ما سيعين الدولة على معرفة آراء المواطنين ومقترحاتهم بشأن ما تقدمه من خدمات وتتخذه من قرارات.

رابعا: النزاهة المالية والاقتصادية. فلا يحفز المواطن، ويعزز مشاركته في النظام الاقتصادي والسياسي وتفاعله مع روح الدستور، مثل وجود بيئة مالية واقتصادية شفافة ومنفتحة تقوم على تكافؤ الفرص للجميع وتخضع للرقابة القضائية والبرلمانية.

وفي المقام الأول فإن دور الملك جوهري، وفقا لما ينص عليه الدستور، فهو الضمانة الأساسية لتحقيق هذه التوازنات والضوابط أمام أي تحد أو تهديد لهذه الترتيبات الدستورية المتقدمة في مملكة البحرين.

ويستمر الحوار الوطني في البحرين، لكي يقرر أهلها ما يرتضونه لمستقبل بلادهم، في وجه التحديات الجسيمة التي تواجه البحرين والمنطقة. وهي تحديات تشمل آثار الصراع والتحول السياسي الذي تمر به بعض دول المنطقة، ولكن أهمها مخططات إيران لزعزعة استقرار البحرين، ومحاولاتها المستمرة لإفشال الحوار الوطني فيها. وسأتناول هذه التحديات في مقال قادم إن شاء الله.