أكد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أن "الإسلام كان قادراً عبر التاريخ ولا يزال على استيعاب كل المتغيرات الطارئة على حياة المسلمين، لأنه من فضل الله على أمة الإسلام أن قيض لكل زمن نخبة من العلماء والفقهاء الراسخين في العلم أمثالكم أحسنوا التعامل دوماً مع هذه المتغيرات، وقدموا لها الحلول الشرعية بما لا يعارض الثوابت الإسلامية، منطلقين من مرونة هذا الدين القيم ووسطيته، التي حققت هذا التوازن الفريد بين الثابت والمتغير في المجتمع المسلم، مؤكدين على أن هذا الدين العظيم ـ كما أراده الخالق جل وعلا ـ صالح لكل زمان ومكان، وأنه دين تقدم وتطور، وتنافس على امتلاك أسباب القوة، لحماية الدين والأمة".

وقال خادم الحرمين الشريفين في كلمة ألقاها نيابة عنه، أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل لدى افتتاحه أمس الدورة الحادية والعشرين للمجمع الفقهي الإسلامي المنعقدة في مقر رابطة العالم الإسلامي "تشهد بعض بلادنا الإسلامية في الوقت الحاضر، عدة متغيرات سياسية وثقافية، في حال من ضبابية الرؤية، وقراءة النوايا، والهجمة الشرسة للنيل من أمتنا، وتعرض العامة وجرأتهم على الفتيا، مما يخشى معه من تأثير بعض هذه المتغيرات على ثوابتنا الإسلامية. وأصبحت الحاجة ملحة لتأطير الثابت وتأصيله، لذا جاءت الدعوة لعقد مؤتمر (المجتمع المسلم.. الثوابت والمتغيرات)، الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي، في شهر ذي الحجة الفائت، لترشيد مسيرة الأمة، وتوجيه شبابها (خاصة)، على كيفية الاستفادة من المعطيات الحضارية للعلوم والثقافات، تحت مظلة الحفاظ على ثوابت الإسلام، على غرار هذا النموذج الحب، الذي لا تخطئه العين المنصفة، في المملكة ولله الحمد والمنة". ومضى خادم الحرمين يقول "إن الفتن هي من أخطر التحديات التي عادت اليوم للظهور، مواكبة للمستجدات العالمية، وأعظمها خطراً فتنة التكفير، وفتنة الدعوات الطائفية. والتصدي لهذه الفتن ودحرها هو التحدي الأكبر، الذي يواجه مهمتكم الجليلة في هذا المؤتمر، وأنتم له أهل وكفء، بتوفيق الله، وبما خصكم من علم رصين".

وجاء في كلمة الملك "وقد حذرت المملكة (ولا تزال) من هذه الفتن، ونبهت إلى أنها في غاية الخطورة، لما تسببه من شق صف المسلمين، وتكفيرهم، واستثارة مشاعرهم الطائفية، بل وإحداث الصدام بينهم، واستباحة دمائهم، وليس أخطر على جسد الأمة الواحد، من هذه الفتن التي برأ الله رسوله من أهلها محذراً من خطورتها". وتضمنت الكلمة أنه "وفي إطار مواصلة المملكة، لدأبها على رأب الصدع، وجمع الشمل الإسلامي، وإشاعة ثقافة التضامن بين المسلمين، جاءت الدعوة لعقد مؤتمر حول (التضامن الإسلامي)، تنظمه رابطة العالم الإسلامي، يعالج الفرقة بين المسلمين، ويتصدى للدعوات الطائفية. وإني أبتهل الفرصة لأدعوكم معاشر العلماء والفقهاء الأفاضل، للمشاركة في هذا المؤتمر، وإثرائه بعلمكم الراسخ، تفعيلاً للتعاون الواجب بين علماء الأمة، من أجل تحقيق تضامن المسلمين ووحدة صفهم".

وختم خادم الحرمين الشريفين كلمته بالقول "أشكر جمعكم المبارك، وأدعو الله العلي القدير أن يوفقكم ويسدد خطاكم، لما فيه الخير والمنعة للإسلام والمسلمين. كما أشكر رابطة العالم الإسلامي، ورئيس مجلسها الأعلى، وأمينها العام، على ما تبذله من جهود في التنسيق والتعاون بين المنظمات الإسلامية، وما تنجزه من برامج وفعاليات تؤكد على وحدة المسلمين، وتنشر مبادئ الإسلام الصحيحة بين الناس".

بدوره، ألقى المفتي العام للمملكة رئيس المجلس الأعلى للرابطة، رئيس مجمعها الفقهي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ كلمة أشاد فيها بدعم المملكة وقيادتها الحكيمة لرابطة العالم الإسلامي ومؤسساتها، ومنها المجمع الفقهي الذي تعمل بحوث الخبراء والعلماء فيه وتؤكد على صلاح شريعة الإسلام لكل زمان ومكان، وسوف تناقش هذه الدورة بعون الله قضايا عديدة تتصل بحال المسلمين، مؤكداً أن إصلاح حال المسلمين لا يمكن إلا بتطبيق شريعة الإسلام في حياتهم. وتطرق إلى المتغيرات في بعض المجتمعات الإسلامية، محذراً من خطر الفتن ومن أصحابها الذين يعملون على شق صف المسلمين. بعد ذلك ألقى الأمين العام للرابطة الدكتور عبدالله التركي كلمة جاء فيها "لقد أولى المجمعُ في هذه الدورة اهتماماً بالأسرة المسلمة، لإبراز مكانتِها، والتنويهِ بعظم المسؤولية في الحفاظ عليها، وحمايتِها من أخطار التحديات المحدقةِ بها"، فيما ألقى كلمة المشاركين وزير الشؤون الدينية التونسي الدكتور نور الدين الخادمي.