• الفنان العالمي الروسي يافيم لادجينسكي، كان قدره أن يوجد ويعيش بين أقبح ما كان في الاتحاد السوفيتي وقبح إسرائيل الفجّ. القصة أن السلطات السوفيتية كانت تمنع لوحاته ذات الطابع الديني، حتى سئم من الحصار والاضطهاد، فقرر أن يهاجر إلى إسرائيل في العام 1978 وفعل، ثم طيلة أربع سنوات كان هذا الرسام يقيم المعرض تلو الآخر في إسرائيل، لكن الصدمة الأخرى التي واجهته أن المجتمع الذي هرب إليه لم يتقبّل لوحاته. أخيراً وفي أحد الأيام من عام 1982 رسم لوحة كبيرة بنجمتين، في الجزء اليسار نجمة الشيوعية، وفي اليمين نجمة داود الإسرائيلية، ثم رسم وجهه على اللوحة، بحيث تعتليه النجمتان، ثم شطبه بعلامة إكس كبيرة، وشنق نفسه في مرسمه.

• القصة تقول بوضوح إن سلطات النجمة الأولى منعته، فتوقع من الثانية أن تحترمه، لكنها لم تفعل، النجمة الأولى صادرت موهبته ولاحقتها، والثانية لم تأبه لفنّه، النجمة الأولى نجمة الأيديولوجيا الشيوعية اللادينية التي لم تحترم حقّ حريته ولا إنسانيته وفنّه، والثانية نجمة الأيديولوجيا الدينية التي أيضاً لم تحترم حقّ حرّيته ولا إنسانيته وفنّه.

• بين عارضتين طويلتين ومكررتين: حتى المدى الإنساني الرحب ـ الذي يُفترض أنه الرابط المشترك الجذري لكل بني البشر، وهو رحبٌ لأنه يتّسع لهم جميعاً، بمعتقداتهم وأفكارهم واختلافهم وتنوّعهم وممارساتهم؛ شرطه الأساس ألا يؤذي أحدهم الآخر، أو يتسلّط على حرّيته وأمنه، والأصل أن كل واحدٍ من أبناء هذا المدى يشعر بالتهديد عندما تُنتهك حرية أي إنسانٍ آخر وخياراته في وجوده، والأديان الكبرى جميعها في العموم مليئة بالنصوص والمقولات التي تحمي بصرامة مشيئة الإنسان وكل أشكال اختياره في حياته ـ لا تستطيع فهمه والتعامل معه حركات الأيديولوجيا (الدينية أو غير الدينية) مهما تلبّست بلباس الحقوق والمدنيّة، إلا من زاويتها فقط، ليصير هذا المدى ضيّقاً ومشوهاً، وضرباً من الجبروت والاحتيال على بني البشر، وعلى الإنسانية نفسها، ودفعا صريحا بها نحو الموت. يُسحب هذا على الأفراد المجلجلين بدعوات القضاء على من يخالفهم، وإن لم ينتموا أو يشاركوا تنظيمياً في عمل سياسي.

• يبدو هذا الكلام مثالياً وغير ممكن، وبعيداً عما هو قائمٌ ويدور على أرض الواقع، لا سيما في هذا الشرق المُنهك، لكنه يجب أن يقال ويعاد، وإن يكن قد قيل وأُعيد آلاف المرات، فمن يدري قد يخرج يوماً من بين هذه الشعوب من ينقذها من الذين ينصبون لها ولأنفسهم مصائر الانتحار!