يعتبر الوقف أحد الأنشطة الاجتماعية المهمة في تراثنا الإسلامي، إذ لا تزال بعض الأوقاف موجودة منذ عهد النبوة. وفي هذا الجانب يعتبر الوقف الجامعي من أهم الموارد التي يمكن أن تعتمد عليها الجامعات، باعتباره رافداً اقتصادياً يمكن للجامعة أن تنمو وتتطور من خلاله، على أساس ضمانة مالية لاستمرارية تطورها وتنميتها.

شهدت السنوات القليلة الماضية تطور الوقف الجامعي عبر بعض الجامعات السعودية الرائدة مثل جامعة الملك سعود، وجامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وجامعة الملك عبدالعزيز، بالإضافة لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست).

كان هذا الموضوع المهم حاضراً في مؤتمر الأوقاف الرابع الذي أقامته الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة مؤخراً، حيث تم تناول "دور الجامعات في النهوض بالوقف الإسلامي" ضمن موضوعات المحور الثالث الذي جاء بعنوان: "استراتيجية النهوض بالوقف الإسلامي استثمارياً"، ربما من المناسب هنا عرض موجز لبعضها.

حيث تناول الدكتور طه حسين هُديل في بحثه حول "استراتيجية تغيير الصورة النمطية السلبية عن الأوقاف من خلال بعض التجارب الوقفية الناجحة" أسباب النظرة السلبية للأوقاف في البلاد الإسلامية عبر التاريخ وحتى الآن، وقدم رؤية لاستراتيجية تغيير الصورة النمطية السلبية للأوقاف من خلال استخدام وسائل الإعلام المقروء والمسموع والمرئي، والمناهج الدراسية في المدارس والجامعات، وخصص عرضاً لأهم التجارب الوقفية في المجتمع الإسلامي عامة، وفي المجتمع السعودي خاصة، وأثرها في توعية الناس وتغيير الصورة السلبية للأوقاف المنتشرة بينهم.

كما قدم الدكتور محمد محمد سويلم، بحثاً حول "دور الجامعات في نشر ودعم الأبحاث العلمية من خلال الوقف" بيَّن فيه أهمية وقف المكتبات والكتب العلمية، ووقف أدوات البحث العلمي (المختبرات)، ووقف الموسوعات العلمية، ووقف الكراسي العلمية.

وتحت عنوان "دور الجامعات في النهوض بالوقف" قدم الدكتور سليم هاني منصور لمحة عن الدور الأساسي للجامعات في النهوض بالمجتمع ودورها المحدد في ثلاثة أمور رئيسية هي: تقديم المعرفة ونشرها، والبحث العلمي في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية، وخدمة المجتمع عن طريق تقديم الخدمات الاجتماعية والتوعية العامة. بالإضافة إلى تدعيم الاتجاهات الاجتماعية والقيم الإنسانية المرغوب بها، كما تطرق الباحث إلى تقصير الجامعات في تفعيل الوقف أكاديمياً وعملياً, وأكَّد عدم وجود مواضيع عن الأوقاف في الأبحاث والرسائل العلمية، وتطرق إلى التقصير في طرح الوقف كنموذج للمجتمع الأهلي، ثم طرح أنموذجًا لجامعات إسلامية في لبنان، مع بيان كيفية تعاطيها مع الوقف، وقدَّم رؤيته لدور الجامعات في تفعيل الوقف من خلال إشراك الطلاب في مبادرات وقفية ونشاطات تتلاءم مع مقدراتهم، فيمكنهم تفعيل دور الوقف من خلال: وقف الكتب، ووقف الأدوات التي يستخدمونها إذا استغنوا عنها بعد تخرّجهم، ووقف "الوقت" لتدريس زملائهم، وهذا ما يعتبر رؤية جديدة ومعاصرة في المجال الوقفي.

بعد هذا الاستعراض الموجز للبحوث، نستخلص أن كثيرا من الجامعات ذات الريادة في مجال الوقف قد ركزت على الوقف باعتباره رافداً استثمارياً لها، لكنها ربما لم تفعِّل الوقف كصيغة يستفيد منها الطالب والأستاذ الجامعي بشكل مباشر، ولذلك يكون من الضرورة بمكان إعادة إنتاج العجلة! والمعنى الذي أقصده هو إعادة ابتكار صيغ وقفية تعمم على ثلاث مسارات (المسار التعليمي، المسار البحثي، المسار الاجتماعي) تكون الجامعات من خلالها قد حققت دورها المنوط بها من جوانبه الثلاثة، وتحقق في الوقت ذاته تنمية العمل التطوعي الأهلي، وإشراك المجتمع في التنمية من خلال الجامعة والتي تعتبر البيئة الأخصب لتنمية المجتمع.

حيث إن هنالك تجارب غربية مهمة في التنمية، كانت الجامعة فيها نواة لإنشاء مدن ومجتمعات، وفي جانب آخر استطاعت هذه الجامعات تكوين ميزانيات ضخمة تعادل ميزانيات دول، لكنها في الوقت ذاته لم تهمل العمل الاجتماعي التطوعي بين طلابها وأعضاء هيئة التدريس فيها، ولم تهمل أيضاً مشاركة المجتمع في الجامعة من خلال الأنشطة التطوعية.

خلاصة الأمر الذي أريد الوصول إليه: أن التجارب الوقفية الواعدة للجامعات السعودية يجب ألا تسير على ساق واحدة.