هناك أسئلة تتردد على ألسنة أفراد المجتمع، ومنها: هل نجحت السياحة عندنا؟ ثم ما هي مقومات النجاح؟ وماذا يريد المجتمع أن يتحقق في مجال السياحة؟ وما الذي يجب أن يعمله المشتغلون بالسياحة؟ وهل يعرف المشتغلون بالسياحة أنها صناعة، وأن لهذه الصناعة متطلبات تضمن نجاحها؟

قبل التعامل مع هذه الأسئلة أود التطرق إلى مصطلح يتم تداوله عند الحديث عن السياحة.. هذا المصطلح هو "السياحة الدينية".. وقد أبدى البعض اعتراضاً على هذا المصطلح، حيث يرون أن الرحلات إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة هي رحلات للعبادة، وليست سياحة، ولا يجب أن تدخل ضمن الفعاليات السياحية.. ثم إن الحرمين الشريفين هما مكانان مقدسان يتم التعبد فيهما، وليسا مكانين سياحيين، وإدراجهما ضمن الأماكن السياحية، أو اعتبار أن الذين يأتون إلينا بهدف الحج والعمرة والزيارة هم سياح خطأ يجب الابتعاد عنه.. فمقومات السياحة تختلف عن مقومات العبادة، وأهداف السياحة تختلف عن أهداف العبادة، ودمج الفئتين لا يخدم أي هدف لهما.. إذا ومن هذا المنطلق أرى الابتعاد عن مصطلح "السياحة الدينية" وعدم اسخدامه..

وفيما يخص السياحة ومقوماتها فإننا نعرف جميعاً أن عامل الطقس لم يعد العامل الوحيد الذي يضمن صناعة سياحية ناجحة.. اسألوا الذين يسافرون للسياحة في مناطق (الطائف- الباحة- وأبها).

أولا بعد اليوم الرابع أو الخامس أو قل السابع يبقى أفراد العائلة ينظرون إلى بعضهم ثم يرددون.. وماذا بعد؟ بعد أيام قليلة تنظر العائلة إلى فاتورة الفندق أو المنتجع السياحي الذي يقيمون فيه فلا تتحملها.

أستطيع أن أضرب أمثلة وأعطي شواهد وأدلة على مقارنة الأسعار بين فنادقنا في المنتجعات وفنادق مناطق سياحية في أوروبا وتحديدا في باريس.. وهذا الموضوع ليس جديدا فقد شبع نقاشا ولا أود الخوض فيه، لكنه من المواضيع التي يجب أن تعالج، لأنه عامل مهم لنجاح السياحة الداخلية. أما الموضوع الذي أطرحه هنا فهو أننا لا نعرف هل نجحت السياحة عندنا أم لا. ولا يمكن أن نعرف إلا بإعداد دراسة بأسلوب 360 درجة للاستكشاف وإعداد الخطط والاستراتيجيات ذات العلاقة بالسياحة، وتحديدا أبرز الخطوات والتحديات والمؤثرات المحلية والعالمية، والاطلاع على التجارب الدولية المميزة، وتجيب الدراسات على أسئلة على هذا النحو:

- ماذا يريد المجتمع بكافة مستوياته من السياحة؟

- ما هي المقومات الأساسية التي تضمن سياحة ناجحة تلائم بيئتنا؟

- ما هي المعوقات الأساسية لنجاح السياحة؟

- كيف يمكن مساعدة المشتغلين بالسياحة على النجاح والاستمرار في العمل في مجالها، وعدم تركها بعد تجارب سلبية، وكيف يمكن تفادي مثل تلك التجارب؟

- كيف يمكن تشجيع مشتغلين جدد بالسياحة وتوظيف مزيد من رؤوس الأموال في هذا القطاع؟

- هل تم استثمار كل الأماكن المؤهلة للاستثمار السياحي وبالسرعة الممكنة... وما عوائق بطء الاستثمار في مثل هذه الأماكن؟

- كيف يمكن أن نغير وجهة السائح السعودي والعربي إلى السياحة الداخلية؟

- كيف يمكن استقطاب سياح من دول العالم؟

كل هذا لا يمكن أن يأتي مصادفة. في نظري لا بد من استراتيجية شاملة تأخذ كل ما ذكرته أعلاه في عين الاعتبار. إذا لم نتمكن من الإجابة على تلك الأسئلة بوضوح وشفافية فلا أظننا نستطيع أن نقنع بالمستوى الذي نريده بالسياحة الداخلية. نسمع عن سياح يعودون بعد زمن قصير، لأنه لا شيء يستحق المكوث أكثر. ونسمع عن سياح يفرون من الغلاء. ونسمع ونسمع.

ونحتاج إلى إجابات مبنية على دراسات علمية تحدد الواقع وترسم المستقبل.. إجابات ترتقي بمستوى السياحة وتفتح مجالات جديدة وتستقطب مشتغلين جددا. هل درسنا وقومنا المهرجانات السياحية وما تتضمنه من برامج؟ هل المهرجانات هي كل ما يريده السائح؟ كم نسبة الاستقطاب التي تحققها تلك البرامج؟

قد نكتشف أننا نصرف نسبة كبيرة من الوقت والجهد والمال على أمور تحقق نسبة ضئيلة من النجاح وقد لا تحقق أي نجاح. وقد تكشف لنا الدراسات أن هناك أمورا أهملناها وهي العامل الأساسي للجذب. وأنا هنا أتحدث آخذاً في الاعتبار البيئة السعودية الإسلامية.

في بعض المنتجعات في بعض الدول يمتطي السياح سفينة كبيرة فيها مطاعم تبحر بالسياح لمدة 4 أو5 ساعات، يستمتعون فيها برحلة بحرية جميلة، ويقومون بممارسة هواية صيد السمك، أو الاستمتاع بوجبة شهية على ظهر السفينة في وسط البحر. وهناك في دول أخرى يذهب السياح إلى إحدى الجزر لقضاء يوم كامل لممارسة بعض الألعاب الرياضية أو السباحة أو صيد السمك أو عمل (باربكيو). وأتساءل عن التأخر في استثمار الجزر الكثيرة لدينا. وأعرف أنها جزر تتمتع بشواطىء غاية في الجمال من حيث تربتها وماؤها.

على شواطىء منطقة تبوك مثلا هناك أماكن ساحلية قمة في الجمال.. لماذا لا تستثمر سياحياً؟

هل نحتاج استصدار مزيد من الأنظمة؟ هل نحتاج تشجيع المستثمرين بالمال أو بعقود طويلة أو بشراكة حكومية تضمن رأس المال والنجاح أو بتخفيض سعر الإيجار؟ لا أدري.

إنها أسئلة تطرح أكثر من إجابات تقدم. وأعرف أن سمو رئيس الهيئة الوطنية للسياحة يمتلك في الهيئة مركزا للبحوث يمكنه من إعداد دراسة نوعية تأخذ كل ما تقدم في الحسبان. ولا أظننا بغير ذلك نستطيع الحصول على صناعة سياحية بالمستوى الذي يمكننا أن نقنع فيه الناس بالسياحة الداخلية.

وخلاصة القول.. لدينا من مقومات السياحة النظيفة ما يكفل استقطاب أعداد هائلة من السياح من جميع أنحاء العالم إذا تم استثمار مواقعنا وجزرنا وآثارنا السياحية وكانت هناك تسهيلات لرجال الأعمال في التمليك والتأجير للمواقع.. فما زالت إجراءات الاستثمار لدينا مليئة بالبيروقراطية الكفيلة بضمان عزوف المستثمرين ولجوئهم إلى مجالات أكثر عائداً وأقل بيروقراطية.