في بيان صحفي لنادي تبوك الأدبي نسب لرئيسه الدكتور نايف الجهني أن النادي سيكرم على هامش مهرجان الشعر الخليجي عدداً من أدباء المنطقة، ومنهم الشاعر "معوض الجهني" (صاحب قصيدة "قبل أن" وهي أول قصيدة نثر في المنطقة) بحسب لغة البيان.

هنا نتوقف، لنقول إنه لا يوجد شاعر بهذا الاسم، وبعيدا عن غرائبية تعبير (صاحب أول قصيدة نثر بالمنطقة)، ربما يستعيد المتابعون الحقيقيون لحراك الشعر في المملكة، اسم الشاعر الجميل (منصور الجهني) الذي كان ضمن طلائع شعراء اجترحوا فضاء قصيدة النثر في تسعينيات القرن الماضي، وأصدر ديوان - وليس قصيدة - (قبل أن)، قبل أن يتوارى هو في تفاصيل مدينته الصغيرة الواقعة على تخوم منطقة تبوك (حالة عمار)، مكرسا ملامح شخصيته الوديعة المتخففة من الادعاءات وأمراض النرجسية وشهوة الحضور.

أوائل التسعينيات، أصدر منصور ديوانه، ومج الضجيج الذي يفتعله المدججون بشهوة الحضور والأنا، اليوم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي الإلكترونية. التقيته مرة واحدة، في أمسية بقيت فواحة في القلب والذاكرة. أذكر أنه زار جدة، وبصوت واهٍ كوردة تتفتح خجلى في صباح بارد، هاتفني على الصحيفة، فكان أن تواعدنا، والتقينا بأحد فنادق جدة من غير ذوات الخمس نجوم أو ما شابه. وانطلقنا لمقهى، لم أعد أتذكره الآن.

يومها تجسد منصور، بسيطا، قليل الحديث، مظهرا ببهاء تواضع المبدعين الحقيقيين، المتخلصين من الثرثرة، وما تسميه الثقافة الشعبية في الحجاز بـ"الطراقة"، ومجانية إطلاق الآراء وتقييم الآخرين والانشغال بحكم القيمة، ناجيا من فخاخ الاستعراضية وما إلى ذلك من تشوهات تميز أنصاف الموهوبين، ونفرا من الأدعياء والضالين في دروب الفن ومفازات الكتابة، ممن يبتلى بهم كل مشهد إبداعي، وكل حقبة زمنية، ولكنهم سرعان ما يذهبون إلى "مزبلة التاريخ" بحسب توصيفات أدبيات اليسار القديمة.

كنت حينها قد احتفيت بالديوان إبان صدوره، عبر عرض صحفي، قدم منصور شكرا خجولا، ورفض بشدة فكرة أي حوار صحفي أو ما شابه ذلك، منطلقا من قناعاته بأنه ما زال يحاول، أولا، وأن المبدع الحق عليه أن يكتب وينتج إبداعا فحسب، لا أن يثرثر كثيرا، أو كما قال.

مضى على تلك "الحدوثة" قرابة العقدين الآن.

ويا للفاجعة عقدان فقط. والأقربون من منصور تناسوه، لا بل حتى حرفوا اسمه وصار (معوض)!

نسال الله اللطف والسلامة.