أكثر ما لفت انتباهي أثناء متابعتي للقاء التلفزيوني الذي أجري مع الأمير الوليد بن طلال، وبث على أكثر من 23 قناة تلفزيونية وإذاعية، هو "الوجه الفكري" الذي ظهر به الأمير والذي لا يختلف أبدا عن وجهه الحقيقي والمتمثل في صراحته وجرأته وتعاطيه مع القضايا والمواضيع بقدر كبير من الشفافية والوضوح.

أقول ذلك على اعتبار أني تشرفت بالالتقاء بالأمير في أكثر من مناسبة في مكتبة تناقشنا خلالها حول العديد من المواضيع الاجتماعية والسياسية والإعلامية، وهي اللقاءات التي خرجت منها بتصور واضح عن قناعات الأمير الوليد ورؤاه السياسية والاجتماعية، وهي تماما الرؤى التي خرجت دون رتوش أومحسنات "سياسية" للعالم في ذلك اللقاء الذي وصف بالتاريخي.

لا شك في أن لقاء كهذا قد تأخر كثيرا، فالوليد المعروف عنه ـ بوصفه أحد أقطاب التجارة والاستثمار العالمي ـ كان دائما في العقل الباطن للمتابع المحلي رجل الأعمال وصاحب مشاريع ضخمة ومبان شاهقة وأحد الداعمين الكبار في مجال العمل الخيري والرياضي، إلا أن اللقاء الذي أداره باقتدار مهني مجموعة من الزملاء الإعلاميين كان بمثابة النافذة التي خرجت بالوليد من عباءة الأعمال إلى مكانة "الاستراتيجي الوطني" الذي شخص الواقع من منظور تحليلي تمتزج فيه المتغيرات الاقتصادية بالتقلبات السياسية بالتجاذبات الاجتماعية وبالتحديات المستقبلية.

لا شك في أن المحاور التي تضمنها اللقاء الذي امتد لثلاث ساعات حاول أن يغطي معظم المواضيع المهمة وهي محاور خرجت بأجوبة في كثير منها تجاوزت ـ في تقديري ـ ما اعتدنا سماعه من الشخصيات الاعتبارية، فكثير منهم يتحفظ خوفا من أن "يزعل" أحد أويفهم خطأ، وهو تماما ما استطاع الأمير الوليد منع حدوثه، فهوكما قال: "نحن لا نخترق السقف.. نحن نصل للسقف ونرفعه قليلا" وهوالعمل الذي يتطلب فطنة عالية وربما جرأة وثقة ومعرفة عميقة بخفايا الأمور.

من يفكك اللقاء سيجد أنه قدم عددا لافتا من الاقتراحات العملية التي تتطلبها المرحلة، فمن عرض فكرة الحكومة الفرعية المعنية بوزارت الخدمات والمواطن إلى طلبه مزيدا من الشفافية في كيفية بناء ميزانية الدولة إلى جانب دعوته إلى فتح سوق الأسهم السعودي للمستثمر الأجنبي، كلها مواضيع جعلت اللقاء يتجاوز كونه فقط لقاء تلفزيونيا يجرى مع أمير ملياردير إلى لقاء تحليلي عميق يقدم رؤية مستقبليـة مبنيـة على أسس علمية وبرغماتية ووطنية.