في أفلام الكارتون تستدعي خيالاتك وطفولتك البعيدة، تعيش للحظات شقيا منفلتا من لحظتك الراهنة, تركض في ذاكرتك بلا تعب, تعبر الوقت وتجتاز نفسك التي شاخت, والذين كتبوا للطفولة يدركون أنها من أشق المهام. "أولف ستارك" أحد أشهر الكتاب السويديين ذكر في محاضرة خص بها فن القص للأطفال قبل عام في الرياض "أن الكبار يتعاملون مع هذا الموضوع باستخفاف في حين أنه لا يقبل سوى الجدية الكاملة".

وحين بدأت جي كي رولينج كتابة "هاري بوتر" بدا أنها تحاول تجاوز كآبتها اليومية وإشكالات حياتها, فجأة لمعت ذاكرتها بشيء من الماضي فاقتبست منه ما جعلها تخط تلك السباعية الرائعة رغم تقاطعاتها الهائلة مع "ألف ليلة وليلة". سقف الخيال واحد وتناسل الحكايات أيضا وربما كان ذلك بفعل التأثر، فـ"رولينج" أو أي كاتب آخر لم يكن له أن يخفي شغفه بخزانة الخيال العربية. "غوته" مثلا كان يقصها على أطفال العائلة ويروي القصص مجهولة المؤلف، وهذا بظني أهم أسرار بهجتها الخفية. واليوم تدفع "والت ديزني" بمنتجاتها البصرية إلى المشاهدين.. تغيرت المؤثرات, أصبحت قصص الجدات مرئية, رداء ليلى الأحمر و"أنف بينوكيو" الذي يستطيل مع الكذب إضافة لحذاء "سندريلا" السحري, الرجل الذي جسد كل تلك الحكايات "والت ديزني" صرخ مرة "إنني أستاء من حدود خيالي".

كانت صرخة "ديزني" مؤثرة وتشي بأزمتنا جميعا، كلنا نشيخ, وحين كتب غاستون غاردنر روايته الجميلة "عالم صوفي" كان يشرح ببساطة تاريخ الفلسفة لفتاة صغيرة, انطلق غاردنر من سؤال محض: "أيهما سيصاب بالذهول أكثر أمام رؤية حجر عالق في الهواء، أنت أم طفل صغير؟ طبعا أنت، لأن الطفل الصغير لا يرى في ذلك تحطيما لقوانين الطبيعة، فهو لم يعرفها بعد، بمعنى أدق لم يكن يحمل أفكارا مسبقة، لم يصبح عبدا لانتظار أمور وأفكار مسلم بها". الحل كما أراه أن نهرب جميعا إلى طفولتنا وكل ما يشبثنا بها.. شيء من "الكارتون".. شيء من الخيال المتفلت الحر.