معلوم سلفاً أن الاختصاص بالفصل في تسوية المنازعات بالطرق السلمية هو لقضاء الدولة في المقام الأول، ولكن تشعب مجالات الحياة أظهر روافد أخرى للقضاء لمساعدته وتخفيف العبء عنه، وهذه الروافد تتمثل في التحكيم والصلح والتوفيق والوساطة.. في هذه المساحة سأركز على رافد مهم ـ لفظة مهم أبلغ من هام ـ هو (نظام التحكيم) الذي أظهرت الحاجة الماسة ضرورة تجديده ـ مرسوم ملكي رقم م/34 وتاريخ 24/5/1433هـ؛ حل محل نظام عام 1403هـ، الذي ألغى النصوص الصادرة عام 1350هـ ـ . عبارة اتفاق التحكيم وحسب المادة الأولى في النظام الجديد تدل على أن التحكيم "اتفاق بين طرفين أو أكثر على أن يحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض المنازعات المحددة التي نشأت أو قد تنشأ بينهما في شأن علاقة نظامية محددة..".. من المكرر المفيد ذكر أن النظام الجديد للتحكيم قد أتى مواكباً لأحدث التنظيمات المحلية والدولية، ويعتبر خطوة رائدة ومتقدمة في دعم التحكيم بالمملكة، وأنه سيعمل بالطبع على توفير إحدى البدائل الناجعة لتسوية المنازعات بين الأطراف إذا اختاروا بإرادتهم اللجوء للتحكيم لتسوية منازعاتهم والفصل فيها.

مؤخراً سنحت لي فرصة تعلم مجموعة مفيدة من مراحل برنامج إعداد وتأهيل المحكمين، الذي يقيمه مركز التحكيم التجاري بدول مجلس التعاون الخليجي، بالتعاون الطيب مع مركز القانون والتوفيق بالغرفة التجارية الصناعية بجدة، وزادت قناعتي بعدها بضرورة تأهيل المحكمين الأكْفَاء؛ جمع كفء ـ لا الأكِفّاء؛ جمع كفيف ـ ، ونشر الوعي التحكيمي بين أفراد المجتمع، وقبل هذا وبعده التعجيل بإصدار اللائحة التنفيذية الجديدة لنظام التحكيم السعودي الجديد، التي بات ينتظرها جميع المهتمين بفارغ الصبر.. على سبيل المثال مما يسترعي الانتباه في النظام الجديد أنه مما اشترطه على المحكَّم في المادة الرابعة عشرة "أن يكون حاصلاً على الأقل على شهادة جامعية في العلوم الشرعية أو النظامية، وإذا كانت هيئة التحكيم مكونة من أكثر من محكم فيكفي توافر هذا الشرط في رئيسها"، والمنتظر من اللائحة المتأخرة معالجة هذا القيد؛ فالتحكيم مجالٌ واسعٌ ولا يقتصر على ذوي الخلفية الشرعية أو النظامية، بل يمتد ليشمل المهندسين والمحاسبين والأطباء وغيرهم من المهنيين، وهم أكثر فاعلية وفائدة من غيرهم في بعض الحالات ذات الطابع الخاص؛ طالما أنهم خضعوا لدورات تدريبية في مجال التحكيم من جهات ذات مصداقية، أو مارسوا ذلك من قبل، ولديهم الخبرة الكافية في هذا المجال.. مما يلاحظ في النظام الجديد عدم الوضوح فيما يخص عمل المرأة في مجال التحكيم، ومعلوم أن هناك من يرى في ظل نظام التحكيم الجديد أنه يحق للمرأة أن تكون محكماً، وأن عدم السماح لها بذلك يعود إلى أن هناك خلطا بين القضاء والتحكيم، رغم وجود فارق كبير بينهما ـ وهذا ما ترتاح إليه النفس ـ، ومن جهة أخرى، هناك من يرى عدم أحقية عمل المرأة بأن تكون محكمة، لأنها ـ عنده ـ لا يجوز لها أن تكون قاضية، والمطلوب أن تشتمل اللائحة على إيضاح صريح لهذا الأمر، حتى لا تشكل هذه الأمور وغيرها عقبات في طريق تنفيذ النظام الجديد.. المثالان المذكوران ـ وغيرهما ـ لا يقللان مطلقاً من الآثار الإيجابية المتوقعة من نظام التحكيم الجديد، إنما الهدف لفت الانتباه لكل ذلك عند إعداد اللائحة المنتظرة؛ عجل الله بها.