التساؤلات التي أطرحها دائماً حول "التقنية" تركز على توظيفنا لها ونتاجاتها المختلفة في حياتنا اليومية، وتنص هذه التساؤلات على التالي: هل نحن نوظف التقنية في إنجاز كثير من أعمالنا ومهامنا اليومية؟ وهل نحن نحسن استخدامها أو توظيفها؟ وهل نحن نستفيد منها بالشكل المطلوب؟
وقبل أن أعرض وجهة نظري على الأقل في هذا المجال قد يكون من المناسب أن نتعرف على توظيف التقنية في مجتمعات أخرى مثل المجتمعات الغربية. وحقيقة الأمر أن من عاش في الولايات المتحدة، على وجه الخصوص في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، ويقارن تلك الفترة الزمنية بالوقت الحاضر، يجد أن هناك فروقا كبيرة في توظيف التقنية، خاصة بعد ظهور الإنترنت، وفي مختلف مجالات الحياة، فحجوزات الطيران في وقتنا الحاضر لا تحتاج إلى مكاتب وطوابير الانتظار الطويلة أثناء فترة الحجز، أو دفع قيمة التذاكر، أو أثناء استخراج بطاقة صعود الطائرة.. كل هذه الخدمات في مجال الطيران تتم والشخص في منزله، ولا يحتاج إلى تذاكر ورقية، أو بطاقات صود الطائرة، بل مجرد رسالة إلكترونية تحمل رقم التذكرة والحجز، والباركود الخاص ببطاقة الصعود، فالتقنية قدمت لنا خدمات كبيرة في هذه المجالات، ووفرت علينا الوقت والجهد، ومن الضروري الاستفادة منها بالشكل الصحيح.. وفي مجال التسوق نجد أن كثيرا من الأفراد يقومون بالتسوق للمواد الغذائية، أو الكمالية، أو غيرها من الاحتياجات الأخرى من خلال الإنترنت، ويمكنهم التسوق والحصول على أرخص الأسعار، كما يتم التوصيل إلى المنزل في حالة الشراء، وتتم عملية التسديد أيضاً من خلال التعامل البنكي للتسديد الإلكتروني من خلال الإنترنت.
ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل قدمت التقنية من خلال تطبيقاتها المختلفة وسائل الاتصال الحديثة، فأينما يكون الشخص ولديه هذه الخدمة يمكن أن يتواصل مع أهله، أو مقر عمله، أو المؤسسة التي يعمل بها، وبأقل تكلفة، وقد تكون مجانية عندما تتوافر الإنترنت بشكل مجاني، كما يقوم كثير من رجال الأعمال بإدارة أعمالهم من مختلف قارات العالم، ولا يشترط تواجدهم في المقر الرئيس لنشاطاتهم المختلفة. وفي المجال الطبي قدمت التقنية الحديثة عددا من الإنجازات في مختلف المجالات الطبية التي لا يمكن حصرها، وفي المجال البحثي قدمت التقنية وتطبيقاتها المتنوعة عددا من الخدمات للباحثين، سواء في مجال التعاون في تنفيذ البحوث العلمية، والنشر والتواصل، أو في مجال تبادل الخبرات والمهارات والنتائج، وهناك عدد من الخدمات التي تقدمها لنا التقنية بشكل مباشر أو غير مباشر.. وجميع هذه الخدمات وفرت على من وظفها بالشكل الصحيح الوقت، والجهد.
وفي هذا المقال لن أحاول الإجابة عن التساؤلات التي طرحتها في البداية، بل سأترك الإجابة للقارئ الكريم لعله يشاركني في توضيحها، لأن ما أود طرحه هنا هو تساؤلات أخرى، أولها: ماذا قدمنا نحن في العالم العربي لتطوير التقنية؟ أعتقد أننا لم نقدم أي جوانب تطويرية لتوظيفها، بل نحن مستهلكون لها، واستهلاكنا لها لا يتعدى الجوانب غير المفيدة، بل السلبية. والسؤال الآخر يتمثل في ماهية معوقات الاستخدام الأمثل لها؟ وفي هذا المجال أعتقد أن توظيف التقنية لدينا يقتصر على الجوانب الترفيهية بالدرجة الأولى، والتواصل، أما الجوانب الخدمية الأخرى الأكثر أهمية فلا نركز على توظيف التقنية فيها، وقد يكون ذلك نتيجة حتمية للأمية الحاسوبية، والأمية التقنية، وهنا أرى أنه من الضروري أن نوقف الاستخدام غير المقنن للتقنية وغير المناسب، حتى حصلنا على أرقام قياسية في توظيف التقنية في هذه المجالات مثل مشاهدة مقاطع الفيديو، أو التواصل بخدمة "الوتس أب"، وغير ذلك من الاستخدامات التي قد لا تعود بالنفع والفائدة على الفرد أو المجتمع. كما أنه من الضروري أن يتم تقديم دورات لأفراد المجتمع في مجال نشر الثقافة الحاسوبية والتقنية.