الصورة النمطية التي تؤخذ عن أي مجتمع من المجتمعات أو دولة من الدول لها تأثير كبير في تشكيل الرأي العام عن تلك المجتمعات أو الدول عند الجمهور الذي تستهدفه تلك الصورة والقائمون عليها.. والصورة النمطية لها أشكال متعددة وطرق مختلفة بعضها يتم بتخطيط محكم وبعضها يتم بصورة تعميمية قائمة على تجربة واحدة أو تجارب قليلة ثم يتم تعميمها، والبعض الثالث تم توارثه وتناقله منذ القدم.. وبعض تلك الصور جيد وبعضها سيئ.. وتعرف الصورة النمطية بأنها مجموعة من الأحكام والانطباعات والتصورات والأحكام والانطباعات القديمة المتوارثة والجديدة المستحدثة الإيجابية منها والسلبية، التي يأخذها شخص أو جماعة أو مجتمع عن آخر ويستخدمها منطلقاً وأساساً لتقييمه لهذا الشخص أو ذلك المجتمع وتحديد موقفه وسلوكه إزاءه.. والصورة النمطية عن العرب والمسلمين اليوم للأسف سلبية وتقدم للعالم عن طريق ثلاث وسائل هي: التعليم والإعلام والسينما، إذا اعتبرنا السينما صناعة مستقلة عن صناعة الإعلام. اثنتان منها مسيستان وما يعرض فيهما هو عن قصد وتخطيط مسبق للوصول إلى هدف معين وهما الإعلام والسينما. أما التعليم ففيه تفصيل. فعلى سبيل المثال صورة العرب والمسلمين في تعليم إسرائيل مسيسة بحكم قضية العرب والمسلمين الأزلية معهم، وأحيل القارئ الكريم إلى كتابي "صورة العرب والمسلمين في مدارس إسرائيل" من مكتبة العبيكان، ففيه بحث موسع في هذه القضية. وصورة العرب والمسلمين لدى الآخرين، فيقولون إنهم يعرضون في تعليمهم ما يتوفر في السوق من معلومات عن العرب والمسلمين. وفي أحد مؤتمرات اليونسكو دعيت مع بعض الأكاديميين من داخل المملكة وخارجها للحديث عن هذا الموضوع مع مجموعة من المتحدثين من العرب ومن أوروبا من مسؤولي ومشرفي وناشري المناهج وأكاديميين. وعلى مدى ثلاثة أيام كانت هناك حوارات صريحة ومكاشفة بنيت على بحوث ودراسات علمية تقدم بها الجانب العربي حول صورة العرب والمسلمين في مناهج بعض الدول الغربية. كان الحوار الذي تم حول صورة الثقافة العربية - الإسلامية في المقررات المدرسية في بعض الدول الأوروبية.. وكان حواراً هادئاً علمياً خالياً من الانفعال والتشنجات. قلنا لهم إن المناهج المدرسية هي أفضل وسيلة لتشكيل وعي الطلاب ورسم الصورة الذهنية لهم وتشكيل مواقفهم واتجاهاتهم؛ ولهذا لابد أن تكون المناهج الدراسية وسيلة للتفاهم والتعايش والتسامح وألا يكون الطلاب ضحية لمناهج تشكل وعيهم بصورة سلبية نحو الآخرين وتكون صور مقلوبة ومغلوطة وخاطئة، وتتبنى أحادية الثقافة والأحكام المسبقة التي تعمق الخلافات بين الأفراد والشعوب. وقلنا لهم إن أمامنا مشكلة ضخمة تتمثل في فجوة تتسع ولا تضيق بين العرب والمسلمين من ناحية والغرب من ناحية أخرى. إذا تركناها دون علاج ناجح سيؤدي الأمر إلى صدام حقيقي على أرض الواقع بين المنتمين إلى مختلف الحضارات والأديان. عرضنا عليهم نتاج أبحاث ودراسات علمية عن صورة العرب والمسلمين في مناهجهم بشكل علمي بعيدا عن الانطباع والتصور المسبق: عن ماذا يقولون عن الدين الإسلامي والقرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم وأركان الإسلام والجهاد؟ وماذا يقولون عن العربي والمسلم وكيف يصورونه لأجيالهم؟ وقلنا لهم إن الأمر قد توج باصطلاح جديد هو Islamophobia الذي يقصد به الخوف أو عدم تسامح المسلمين الذي يدعو إسلامهم إليه. وأدى هذا ولا يزال يؤدي إلى أذى كبير يتعرض له المسلمون من الغرب. وهذا الأمر لا يقل خطورة عما يكتب في مناهج التعليم عن العرب والمسلمين. قلنا لهم إنه في الوقت الذي تشوه فيه صورة العرب والمسلمين تتم الإشادة بصورتهم ويطلقون عليها محور العالم، والعالم كله يدور في فلك أوروبا. قلنا لهم أيضاً إن هناك مشكلة تكمن في مشروع الهيمنة الغربية التي تعمل في سبيل تحقيق مصالحها بفرض الأيدولوجيا والأديان والقيم الخاصة بهم، لأنهم يعتبرون مقاييس القيم الغربية هي التي يجب أن تقاس بها القيم الأخرى، وأن أي قيم تتعارض مع هذه المقاييس هي ضالة وشريرة ويجب استئصالها. وقلنا لهم إن ديننا الإسلامي وقرآننا يقول لنا {ليسوا سواء} (آل عمران 113) ولهذا فإننا نطمح إلى تواصل الحسن مع الحسن لدحض الشر عن كوننا وتكريس السلام والمحبة والتعايش فيه. وقلنا لهم إننا نشعر أن هناك مساحة مشتركة بين الأمم والثقافات يجب أن نتمسك بها ونوسعها. وقلنا لهم إن المسلمين ليسوا ضد رسم صورة حقيقية واضحة عن الإسلام، بل بالعكس إنهم يرغبون أن يكون هناك عرض لدينهم لكن بشكل صحيح وموضوعي. وقلنا لهم إن ما نطلبه منهم يجب أن نحققه نحن أيضاً، لأن الموضوعية تقتضي اعترافاً بما يؤدي إلى الاستفزاز ويعترض سبيل التفاهم وإزالته. كما تقتضي الاعتراف بقيم الغير والتعايش مع ما تشابه منها، والتسامح مع ما اختلف.

وماذا قالوا لنا؟

قالوا لنا إننا جميعاً (العرب والمسلمون المشاركون) قضينا كل الوقت المعطى لنا في الحديث عن مشكلة الصورة المشوهة عن العرب والمسلمين في كتب الغرب، الأمر الذي قالوا إنهم يعرفونه جيداً، لكننا لم نقدم حلولاً لهذه المشكلة، إن أبحاثنا لم تتعرض للحلول وإنما لإلقاء اللائمة عليهم وتحميلهم المسؤولية. وقالوا لنا إن تاريخنا لا يخلو من صور سلبية يجب عدم التغاضي عنها، وإننا نطلب منهم الإشادة بنا وبتاريخنا بالرغم من تلك الصور التي تكتنفه. وقال لنا بعضهم إن وزارة التربية في بلادهم وبناء على دراسات تم إطلاعهم عليها من قبل بعض الباحثين العرب (دراسة قام بها الدكتور مصطفى الحلوجي عن مناهج فرنسا) تعكف على إعادة النظر فيما يكتب عن العرب والمسلمين. وقال لنا بعضهم إن ما يكتب عن المرأة في الإسلام على سبيل المثال يتم مراجعته لأنهم يتفهمون وضع المرأة في الإسلام واختلافه عن وضع المرأة في الغرب.

ومن خلال الحوار والنقاش اكتشفنا نحن المشاركين العرب أموراً عديدة منها: أن هناك خلطاً لدى الغرب بين الإسلام وممارسات المسلمين. فأي ممارسة من قبيل المسلمين عبر التاريخ سواء كانوا قادة أم أفراداً تحمل على الإسلام. فهم لا ينظرون إلى الأمر بالعمق الذي يتضح لهم به الفرق بين الأمرين وإقناعهم. واكتشفنا أنه لابد من أن يكون العمل الذي يراد القيام به للحوار مع الغرب ضمن خطة محددة واضحة الأهداف، يتم تقييم مراحلها للاستفادة من المرحلة السابقة لتحسين أداء المرحلة اللاحقة. واكتشفنا أن بعثرة الجهد وربما تناقض بعضه يؤدي إلى نتائج عكسية.