استقبلت القاهرة الأيام الماضية ثلاثة وفود في وقت واحد: الأول من قادة حركة "حماس" الذي أعاد اختيار خالد مشعل زعيما لها، والثاني "وفد أمني إسرائيلي" التقى مسئولي "المخابرات العامة" التي لم تزل كما كانت في عهد مبارك مسؤولة عن ملف التسوية الفلسطينية ـ الإسرائيلية، وجرت في الكواليس اتصالات غير مباشرة بين "حماس" ووفد إسرائيل برعاية مصرية.
كل هذا لا يحمل أي جديد في قواعد اللعبة بين الإسرائيليين والحركة التي تحكم غزة، اللهم إلا أن إخوان مصر يمتلكون كثيرًا من التأثير على أبنائهم في "حماس" لأسباب أيديولوجية و"لوجستية"، وهو سر دعم واشنطن لنظام الإخوان في مصر، كما بات معروفًا للكافة.
أما الوفد الثالث المثير للتساؤل، فهو "إيراني"، ويضم مسؤولين سياسيين وأمنيين ورجال أعمال وغيرهم، وهي خطوة أخرى على سبيل التقارب بين نظام الملالي ونظام الإخوان، لكن هل هناك علاقة بهذا الوفد ووجود وفدين فلسطيني وإسرائيلي في القاهرة في نفس التوقيت، أم أن الأمر مجرد مصادفة؟
بدأب صانع السجاد الفارسي اليدوي يسعى نظام الملالي لاكتساب مساحات جديدة في المشهد الإقليمي الذي أفرزته التحولات الكبرى بالمنطقة، ويدرك الفرس أن إسرائيل تدفع أميركا بقوة لتوجيه ضربة قاصمة لطهران، لكن واشنطن تترقب الوضع المشتعل في سورية، كما تتحسب أيضا لانفلات أمني وفوضى عارمة في مصر اصطلح على تسميتها (ثورة الجياع) التي يرى مراقبون أنها ستكون مقدمة لاقتتال أهلي، يشعله الانقسام السياسي الحاد، وحزمة الأزمات الأخرى التي تعانيها مصر.
واشنطن ليست قوية في هذه المرحلة كما قد يتصور البعض، فهي تقاوم ضغوطًا إسرائيلية رهيبة تستعجل ضرب إيران، وأخرى بشأن خارطة الشام ولبنان في مرحلة ما بعد الأسد في سورية، كما تشعر بخيبة أمل حيال جماعة الإخوان، التي حققت ما اتفق عليه بشأن التهدئة بين "حماس" وإسرائيل، لكن ما يجري في مصر بات أقرب لبروفة "حرب أهلية" بامتياز بعدما استدعى العنف الذي مارسه أنصار الجماعة عنفاً مضاداً، فوقائع العنف المريعة التي تعرض لها معارضو الجماعة من قبل، كانت مبررًا للمحتجين الغاضبين في عنف مماثل تعرض له كل من وقع تحت أيديهم من أنصار الجماعة الذين جرى حشدهم من الريف والمحافظات للدفاع عن "قدس الأقداس"، وهو مقر الجماعة بهضبة المقطم.
إيران بدورها تدرك كل هذا وأكثر، فهي دولة لا يصح التهوين من قدراتها، وتتصرف بانتهازية لتثبيت موضع قدم لها في القاهرة، ليكتمل به "الهلال الشيعي"، الذي كان أول من أشار إليه هو العاهل الأردني في مثل هذه الأيام عام 2005 خلال حديث لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي.
وبالرغم من الصراع الظاهر بين طهران وواشنطن، لكن تاريخ "جمهورية الملالي" شهد عدة صفقات أكدتها الأيام مع أميركا، بدءًا بما عرف بفضيحة "إيران – جيت"، مرورًا بالتحالف شبه العلني في حرب أفغانستان، وصولا لتواطُؤ إيراني مع واشنطن في غزْو العراق حتى تقاسُم الغنائم بينهما، وبالتالي فلا مجال للغو الفارغ عن الخلافات المذهبية بين "الإخوان" السنّة والفرس الشيعة، لأن الأمر يتعلق بخرائط الشرق الأوسط الجديد.
"لعبة الأمم" الجديدة وضعت كافة الأطراف الإقليمية في حالة ترقب، ليس فقط لما قد يحدث من ثورات هنا وهناك، بل أيضًا لحرب إقليمية وشيكة، وستكون هذه المرة (إسلامية ـ إسلامية)، وذلك بعد انتهاء الحروب (العربية ـ العربية) التي بدأت بغزو صدام حسين للعراق حتى الإطاحة بنظامه وبعدها انقسم العرب لفسطاطين.
ما سيحدث خلال المرحلة المقبلة فهو أن الإسلاميين ـ ولا نقول المسلمين ـ بصدد انقسام لفسطاطين، لن يكونا بالضرورة بين شيعة وسنّة، بل بين "إسلام سياسي" وآخر سمه ما شئت، لأن حماس السنّية ومعها "التنظيم الدولي للإخوان" سيجدون أنفسهم حال توجيه ضربة لإيران في مأزق، لا يقل وعورة عن ذلك الذي تعيشه واشنطن حاليًا، ناهيك عن الصراعات في دول ما يسمى بالربيع العربي.