المجتمع السعودي، مثل غيره من المجتمعات، يعاني من وجود مرضى يعانون من الاضطرابات النفسية والعقلية، والبعض منهم يشكل خطرا على نفسه وعلى الآخرين وعلى المحيطين به، وبشكل خاص على من يقدم له الخدمة ويعتني به بشكل مباشر، وغالبا ما تتحمل الأسرة السعودية هذا العبء بشكل منفرد. ولذلك فإن رعاية هذا النوع من المرضى يجب أن تكون مسؤولية اجتماعية، وليست مسؤولية فردية أو أسرية، نظرا لما يشكله هذا النوع من المرضى من خطورة اجتماعية، خصوصا أن البعض منهم يتمتع بعافية جسدية كاملة وفي مرحلة الشباب ولديه قوة بدنية ويصعب السيطرة عليه من قبل الأسرة في الكثير من الحالات. فالأسرة وحدها لا تستطيع السيطرة عليهم فتكون النتيجة تركهم في الشوارع يؤذون المارة ويهددون حياتهم دون أدنى مسؤولية، ويلاحظ أن البعض من حالات القتل والعنف داخل الأسرة يحدث بسبب الاضطرابات النفسية والعقلية، وهو ما تؤكده وسائل الإعلام بشكل مستمر.

ولذلك أعود فأقول إن مسؤولية رعاية المرضى نفسيا وطبيا في المجتمع السعودي يستحيل تركها للأسرة وحدها، خصوصا في الحالات التي يشكل المريض فيها خطرا على نفسه وعلى من حوله. وتبدو الحاجة ماسة إلى علاقة تفاعلية بين الأسرة والمجتمع ممثلا في وزارة الصحة في ما يتعلق بالجانب العلاجي، ووزارة الشؤون الاجتماعية في جانب الرعاية الاجتماعية.

المتأمل لأوضاع هذا النوع من المرضى يجد أن المستشفيات لا تقبلهم، لأن طاقتها محدودة، والمؤسسات الإيوائية ليست مهيأة ولا متخصصة لهذا النوع، ويتم دمج البعض منهم مع فئات وشرائح أخرى، واستجابة لهذه الظروف تضطر الأسرة إلى تحمل النصيب الأوفر في هذا الجانب وتتحمل كل تبعاته وما ينتج عنه من مخاطر وصعوبة في ضبط سلوك هذا النوع من المرضى، وما ينتج عن ذلك من حرج مع الأقارب والجيران، وصعوبة مغادرة المنزل، وينتهي الأمر بالبعض منهم إلى التشرد في الشوارع وإيذاء المارة وتهديد الأبرياء، كما حدث مع المصلين الذين حاصرهم أحد المرضى نفسيا لعدة ساعات.

ولذلك فإن افتتاح المزيد من مستشفيات الصحة النفسية أصبح ضرورة ملحة لتقديم العلاج، يضاف إلى ذلك إنشاء العديد من المؤسسات الإيوائية المتخصصة في رعاية هذا النوع من المرضى الذين لا تستطيع الأسرة رعايتهم. رعاية هذا النوع من المرضى يجب أن تكون على مستوى متميز، وأن تشمل جميع المرضى الذين ترغب الأسر في بقائهم في هذه المؤسسات المجهزة لهم بشكل خاص.

لا يعرف الرمضاء إلا من يمشي حافيا، ولا يعرف هذا النوع من المعاناة إلا الأسر التي يوجد بها هذا النوع من المرضى، وتعاني من التهديد المستمر الذي يحول حياة أسرة صغيرة إلى جحيم مستمر، حيث أفادت إحدى الأمهات أنها تعاني من صعوبة في التعامل مع ابنها المريض ذي الثمانية عشر عاما، وتضطر إلى قفل إحدى الغرف على إخوته وأخواته عندما تنتابه نوبة من الاضطراب وتبقى معه وحدها، ولذلك فهي مضطرة أيضا إلى اليقظة والحذر المستمر وعدم مغادرة المنزل بأي شكل، وهو وضع يصعب احتماله. هذه الأسر تعيش في جحيم حقيقي، ويجب ألا يكونوا وحدهم.