من وزارة التعليم العالي ومن وزارة العمل ومن المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني ومن وزارة المالية أيضا، هذه هي التشكيلة المقترحة لتشكيل ما يمكن تسميته بخلية أزمة في السعودية، أزمة حقيقية ربما، تكرارها يوميا في وسائل الإعلام حولها بالنسبة لدينا إلى أمر واقعي غير لافت، لكن إعادة النظر والتأمل في واقعها باستمرار تؤكد أن ثمة أزمة قادمة.
لدينا أكثر من ستة ملايين وافد أجنبي، ولدينا بطالة كلما هدأت في عام لا تلبث أن تعود الأرقام إلى الارتفاع في العام الذي يليه.. المشكلة أن كثيرا من عمليات التدريب والتأهيل لدينا لا يتم توجيهها نحو الوقوف أمام البطالة ونحو صناعة قوة بشرية عاملة سعودية، إذا فالمفارقة واضحة: التنمية واحتياجاتها تأخذ مسارا، بينما التدريب والتعليم يكاد يتخذ مسارا غير مواز لها كما يجب.
وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري يؤكد أن استيعاب قرابة 90% من خريجي الثانوية العامة في الجامعة ليس ميزة على الإطلاق، بل يقول: هذه كارثة. هذا كلام يستحق الإصغاء جيدا، كان بإمكان الوزير أن يقول خلاف ذلك، وأن يصف وزارته بالوزارة القادرة على استيعاب تلك الأعداد وأن هذا يعد نجاحا، لكنه انحاز للصواب والمنطق الوطني.
بعد أسبوع من ذلك الحديث المهم، تحدث محافظ المؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني الدكتور علي الغفيص ليؤكد أن الطاقة الاستيعابية لمختلف كليات ومعاهد المؤسسة لا تكاد تستوعب إلا قرابة ربع المتقدمين إليها سنويا، وأن نسبة التأهيل في صفوف العمالة الوافدة الذين يعملون في المدن الصناعية الكبرى ـ دعك من الورش الصغيرة ـ ضئيلة جدا، وأن النسبة الكبرى منهم لديها مؤهلات لا تتجاوز الثانوية العامة. هذا واقع القبول في الكليات والمعاهد التقنية والصناعية، وهذا واقع التأهيل لدى العمالة الوافدة، كما أن الذاهبين إلى الجامعات لا يمثلون مخرجا مرتبطا بسوق العمل، خاصة أن كثيرا منهم يدرسون في تخصصات نظرية قد اكتفى منها سوق العمل، وهي بطبيعتها تخصصات ذات احتياج محدود وغير مطرد.
يقع التحدي هنا إذا في التدريب الفني والتقني والمهني.. تلك المهن التي تصنع المستقبل وتوفر حياة كريمة، وتستطيع أن تتغلب على التحديات التي تتنامى كل عام في سوق العمل السعودي. بالأمس مثلا يقول وزير الاقتصاد والتخطيط في ملتقى السفر والاستثمار السياحي إن خطط التنمية التاسعة تستهدف الوصول بالفرص الوظيفية في قطاع السياحة إلى نحو 462 ألف فرصة وظيفية. هذا تخطيط جيد للغاية، لكن السؤال الأول هو: من أين ستأتي بهم، ومن الذي سيدربهم، وما التأهيل الذي سينالونه ليكونوا صالحين لشغل هذه الوظائف؟
هذا مثال على قطاع واحد، ماذا عن بقية القطاعات.. الصناعات بكل أنواعها، والزراعة ومختلف أشكال الإنتاج والعمل التي تكاد العمالة تسيطر على كل مفاصلها، وبمستوى تأهيل منخفض؟ كم ستستوعب من الأيدي العاملة السعودية لو تم تأهيلها وتدريبها؟ هنا تكمن المواجهة الحقيقية للبطالة. نظام حافز، رغم إيجابيته، إلا أنه لا يمثل حلا للبطالة، ولكنه إجراء مرحلي لها، النطاقات والحث على التوطين كلها أيضا إجراءات مهمة وحيوية للغاية لكنها ستتوقف عاجزة عن الإجابة على السؤال التالي: من هو البديل الوطني وما مستوى تأهيله؟
المستقبل لا ينتظر، إما مزيد من عمليات ومراكز وكليات ومعاهد التدريب والتأهيل، أو ستتحول البطالة بالنسبة لدينا إلى مجرد قضية وعناوين صحفية وتصريحات تحذر منها لكنها لا تملك لها علاجا.. هذه المعادلة تقتضي تشكيل خلية حقيقية تضم الوزارات والجهات المعنية وتشتغل على تقوية الواقع السعودي ليواجه تحدياته التنموية. هذا لا يتم إلا بأيد سعودية.. تلك الأيدي السعودية لا تأخذ قيمتها في سوق العمل إلا بتدريب وتأهيل متميز.