هناك بعض القضايا التي تردد دائما في الأوساط الثقافية والإعلامية منذ عقود ولم يتغير فيها شيء، على الرغم من تسارع الزمن وحدوث تغيرات فكرية واجتماعية كبيرة، بل يمكن وصف ما حدث في مجتمعنا السعودي في العشر سنوات الأخيرة بالتحول الهائل خصوصا بعد دخول مواقع التواصل الاجتماعي لكل بيت.

أقول هذا وأنا أعيد قراءة حوار"الوطن" مع مدير عام جمعية الثقافة والفنون عبدالعزيز السماعيل الذي نشر قبل أيام هنا، حيث عاد بي الكثير من مضمون الحوار إلى حوار سابق كنت أجريته قبل نحو سبع سنوات إن لم تخنِ الذاكرة مع المدير الأسبق للجميعة محمد الشدي.

فمن مفاصل ذلك الحوار وعناوينه الرئيسية التي ما زالت عالقة في الذهن حتى الآن، حديثه عن خطة لتأسيس معهد أو أكاديمية تهتم بتدريس الفنون بمختلف أشكالها بشكل علمي، كذلك شكواه من ندرة قاعات العروض المسرحية وصالات الفنون التشكيلية والفوتوجرافية، مرجعا ذلك إلى ضعف الميزانية المخصصة لجمعيات الثقافة والفنون. والحقيقة أن تلك القضايا هي ذاتها نصا التي وصفها المدير الحالي السماعيل بـ"العقبات" التي تواجه الجمعية. وهي ذاتها التي كان يشكو منها المدير السابق للجمعية. إذن فهي قضية أو عقبة واحدة لم تشأ أو لم تستطع الوزارتان المعنيتان بأمر التمويل المالي وتحديث نظام الجمعية وأسلوب عملها وهما المالية والثقافة والإعلام عمل أي شيء ملموس لتغيير الوضع بما يناسب العصر، وربما يتحمل مجلس الشورى كجهة تشريعية ورقابية ـ إلى حد ما ـ مسوؤلية عدم الدفع باتجاه تبني نظام مالي وإداري حديث ينقل جمعيات الثقافة والفنون من حالاتها الحالية التي تدعو للشفقة، إلى دور أكبر في المجال الثقافي والاجتماعي، كما يحدث في معظم دول العالم الحديث التي أيقنت أن الفن وخصوصا المسرح والسينما والموسيقى رسالة ثقافية وفكرية تؤثر أكثر بكثير من المحاضرات العلمية التقليدية أو المعارض التي لا تحمل أي بصمة تجديد أو إبداع. فليس هناك جديد إن أشرت إلى دور السينما والمسرح في التنافس الثقافي المحموم بين دول مثل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وحتى إيران التي دخلت بقوة على هذا الخط.

حقيقة لا أعرف أين المشكلة الأساس في هذا الإهمال شبه المتعمد لدعم الفنون في وطننا الذي أصبح رقما صعبا في الخارطة العالمية على كل الصعد عدا صعيد الفن والثقافة.

لكن هل يحق لي أن أخمن، وأقول: إنني أعتقد أن الأمر يتعلق بقناعات شخصية من أصحاب قرار الدفع المالي، فأنا على يقين أنهم السبب الأول. خصوصا وأن الكثير من قراراتنا لا تبنى على خطط علمية حقيقية بقدر ما تبنى على توجهات وقناعات شخصية.. طبعا لا نلغي الدور الاجتماعي في الوقوف ضد فن مثل السينما.. لكن التجارب الكثيرة تثبت أنه يمكن التغيير الإيجابي في حال كان هناك قرار جاد بذلك.