نتيجة للحراك السياسي والفكري والاجتماعي، تغير الخطاب العام الموجه للمرأة العصرية شكلا وليس مضمونا، إذا لا زال يحمل في بنيته الجوهرية تلك النزعة الجاهلية عن المرأة وفعليا ينطبق على هذا الخطاب قول نزار قباني "لبسنا قشرةَ الحضارة والروحُ جاهليّة".

شعوب لا تميز بين الاغتصاب والعلاقة الجنسية، ولا تميز بين الدين والشريعة.. كيف تريدون منها أن تميز بين الديمقراطية والفوضى. هذا ما صرحت به ألفت يوسف، المرأة التي ناضلت لأجل كل النساء التونسيات وما قالته هو الحقيقة القريبة جدا إلى واقع المجتمعات العربية اليوم.

نعم إن مسألة حقوق المرأة الإنسانية تمثل جزءا لا يتجزأ من المسألة الديمقراطية، بل إنّ أي مشروع ديمقراطي لا تكون هذه الحقوق، جزءا منه لن يكون إلاّ مشروعا مشوّها.

وهذا بالفعل ما أنتجته الصراعات الفكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية في حياة المرأة المعاصرة كما يحدث اليوم في سورية، وعلى كل امرأة عربية ألا تتجاهل ما يحدث للنساء في كل مكان من عالمنا العربي، فكل امرأة انتهكت حياتها وسلامها بسبب ما قد تكون يوما أنتِ أو أنا أو الأخريات.

لقد حكمت حياة المرأة المعاصرة مسألتان متناقضتان: الأولى تسعى للحفاظ على الوضع الدوني للنساء تحت أي ذريعة وأي مبدأ وأي نهج ولها مناصروها ومؤيدوها تحت شعارات دينية ونفسية وعرفية، والمسألة الثانية نتجت عن السياقات التاريخية معتبرة أن الوضع الدوني للنساء أمر حتمي وكوني يجب توظيفه ضمن أية متغيرات سياسية، تماما كما حدث مع نساء سورية حيث انقسم العربان لدينا إلى شيوخ ومفتين ومتنفذين و"شريطية" على أهبة الاستعداد لتسويق النساء الثكالى والأرامل والهاربين من جحيم الموت، ففي مصر تم رفع مذكرة بالتدخل الفوري لوقف زواج السوريات الموجودات كضيوف بمصر مقابل 500 جنيه للزوجة فيما يتم التعامل معهن هنا أيضا تحت ذريعة الستر للمؤمنات وخدمة القوة الجهادية. إن فكرة الحفاظ على كرامة النساء تحت أي مسمى يخدم مصلحة "الرجل" (مسيار، مناكحة، زواج جهاد في سبيل شياطينهم).. كل هذا نتيجة ثقافة الخطابات الاستهلاكية التي شيّأت المرأة وحولتها إلى بضاعة، جميعها أسباب غير أخلاقية وغير إنسانية مهما كانت عناوينها ملونة وعريضة.

إن محاربة الذهنية الجاهلية المعاصرة، أشبه بمحاربة طواحين الهواء.. أشبه بمكافحة جين أناني تم اكتشافه بينما تصعب معالجته. ويصبح من يستنكرها في مواجهة صراعات للمؤمنين بأن المرأة ليست إلا متاعا في الدنيا والآخرة.

إن أي تاريخ مضطرب يحمل دائما طفرات تاريخية شعبوية قادرة على خلق مسوخ حقيقية يخوننا التعبير عنها، وليس بإمكاننا أكثر من الألم فقد خاننا التاريخ بأكمله. والذين يصنعون هذا التاريخ المخزي والصامتون عنه لتمريره، ليسوا أكثر من مجرمين بملابس عصرية خانوا الإنسانية وهي في أصعب أوقاتها.