يتلذذ بعض المسؤولين الحكوميين، ومعهم بعض الكتّـاب، في انتقاد القطاع الخاص السعودي، بسبب ما يعتبرونه تلكؤ في رفع نسبة السعودة. ولكن محافظ المؤسسة العامة للتدريب الفني والمهني، بشرنا قبل أيام بأن خطة المؤسسة للسنوات العشر المقبلة، هي توفير أربعة ملايين سعودي، من العمالة المدربة فنياً، وتقنياً.

ولكن للتدليل على صعوبة المهمة، ولو أخذنا وظيفة محاسب، فإنه يوجد في المملكة أكثر من ستمئة ألف مؤسسة، وشركة عاملة في القطاع الخاص، بعضها يوجد بها أكثر من محاسب، والبعض بها محاسب واحد، والمؤسسات الأصغر يوجد بها محاسب متعاون (غير متفرغ)، وتعتبر وظيفة المحاسب أساسية، ومفصلية لمالك المؤسسة، أو الشركة، لأنه يتحقق من سلامة المركز المالي، ويعدّ الميزانيات، ويقفل الحسابات... إلخ. وتعتبر طبيعة عمل المحاسبة مضنية للكثير، لأنها تتطلب مطابقة الأرقام إلى آخر هللة. على كلّ تلك الوظيفة الهامة يشغلها على أقل تقدير نصف مليون محاسب، الغالبية العظمى منهم هم من إخواننا العرب الوافدين، وبشكل عام تتراوح رواتب الوظيفة بين (3000 إلى 25000 ريال)، حسب المؤهل، والخبرة، وإجادة اللغة الإنجليزية... إلخ.

لقد فشلت تجربة تخريج محاسبين سعوديين من معاهد المحاسبة الثانوية التجارية، والتي كانت جزءاً من النظام التعليمي، وأغلقت تلك المعاهد، وحتى أقسام المحاسبة في الجامعات تشتكي من قلّة إقبال الطلبة السعوديين عليها، وحتى خريجو كليات المحاسبة يحرصون على الانتقال إلى أعمال غير محاسبية، وهذا هو أساس المشكلة التي يطرحها القطاع الخاص، للدفاع عند اتهامه بالتلكؤ في رفع نسبة السعودة، فالوظائف موجودة، ولكن المهارة السعودية معدومة.

منذ أكثر من سنة ونحن نبحث عن محاسب سعودي، شريطة توفر خبرة في حسابات الشركات، وأن يجيد اللغة الإنجليزية، ومن هنا أتمنى من وزارة العمل، أو المؤسسة العامة للتدريب، أن ترسل لي محاسباً سعودياً، وأتعهد بدفع راتب أساسي له حتى مبلغ (25,000) ريال، بالإضافة إلى البدلات، وإن كان مبتدئاً، فيمكننا إرساله للحصول على شهادة (CPA)، وهي أهم شهادة بعد الجامعة للمحاسبين.

هل عرفتم مصدر الخلل الآن؟! إنه النظام التعليمي، والتدريبي البائس، وأخلاقيات العمل الضعيفة. وللتدليل على أخلاقيات العمل، فقد رويت لي قصة مؤلمة، وهي أن عمالا سعوديين دربوا للعمل على مكائن البلاستيك، ولكن لأن طبيعة العمل تتطلب من العامل أن يحضر أكياس مواد البلاستيك الخام إلى محطته، فإن العمال السعوديين رفضوا حمل الأكياس، وأصروا على ضرورة وجود عمالة إضافية، لنقل الأكياس إلى حيث هم يقفون أمام المكائن!