دلف السبعين، وتعب من ركض السنين، وواجه الصعوبات والفواجع، إلا أن الابتسامة لا تكاد تفارق وجهه الذي يحمل تجاعيد الأيام، ومع ذلك لا يراجع أي طبيب. لازمته مرارة الفقد ولوعة الفراق، ولكنها لم تؤثر في معنوياته. آخر مآسيه وفاة إحدى بناته وأولادها وزوجها في حادث مروري قبل أشهر، إضافة إلى فقد اثنين من أبنائه منذ زمن، كل ذلك لم يثن عزيمته عن العمل والكفاح منذ شروق الشمس حتى الغروب، حتى تكاد تجزم أنه يرسم الابتسامة على وجهه من قهر ويسكب من عينه دمعة فرح..إنه "رئيسا خان".
"خان "عامل هندي الجنسية يعمل مراقبا على العمال التابعين لإحدى الشركات المنفذة لمشاريع مدينة نجران الجامعية، يقول" وصلت إلى المملكة منذ 25 عاما، والأمل يقودني إلى زوايا أكثر اتساعا، بعد أن ضاقت كل المساحات في بلادي، لكنه أمل كان مشروطا بنزع أشياء كثيرة أصعبها الرحيل عن الوطن، والابتعاد عن الأهل".
"بابا خان" كما يناديه جميع عمال الشركة الذين يشرف عليهم، تأقلم مع الظروف المناخية القاسية للصحراء التي تحيط بالمكان الذي يعمل فيه، وتقلبها بين حرارة الصيف الملتهبة، وزمهرير البرد القارس، فقد أمضى ثلاث سنوات في المكان نفسه وسط عمل متواصل في سباق مع الزمن لإنجاز مشاريع المدينة الجامعية في الوقت المحدد.
"العمر" رسم أخاديد الزمن على محياه، فتحولت إلى ابتسامة يستقبل بها كل من يقابله في مكان العمل أو خارجه، وكأنه يحاول إخفاء المعالم التي خطت وجهه، ويرمي مآسي السنين خلف ظهره.