سائقو "التاكسي" في العاصمة المصرية يختلفون عن نظرائهم في شتى أنحاء العالم، إذ يتسمون بصفات أبرزها الثرثرة فيما يروق لهم، لكن هذه العادة المزعجة لا تخلو من أهمية، فيمكن رصد نبض الشارع لو تمكن الراكب من إدارة دفة الحوار بحنكة فلا يدع السائق يسترسل على هواه، بل يحاصره بأسئلة محددة ويلح على تلقي إجابات حينها يمكن للمرء أن يقيس نبض الشارع، بعيدًا عما تبثه وسائل الإعلام المختلفة من تقارير ومناظرات وملاسنات في برامج الحوار و"المكالم المتلفزة" التي تشتعل في كافة الفضائيات المصرية، والعربية والدولية.
سألت سائق "التاكسي" عن خطاب الرئيس محمد مرسي الأخير، الذي اتسم بقدر من العصبية وحمل تهديدات وإشارات لشخصيات بعينها أسماها "الأصابع" التي تعبث باستقرار البلاد والعباد، فرد السائق بهجوم على الجميع: الرئيس وجماعته "الإخوان المسلمون"، والمعارضة بشتى أطيافها، والإعلام، وقال إن كل هؤلاء يغني على ليلاه، وإن ما يهمه هو وملايين المصريين تأمين الحد الأدنى من الحياة الكريمة والأمن المفتقد، وإنه يضطر للوقوف ساعات في طوابير للحصول على وقود لسيارته وإن أسعار كافة السلع الأساسية في ارتفاع وإن الأوضاع لو استمرت على هذا النحو فسينزل الجياع إلى الشارع لتحدث فوضى عارمة، وهو ما يشعر بأنه قد بدأ بالفعل، لكنه يخشى من تفاقم الأمور للأسوأ، وتوقع حدوث ذلك خلال الأسابيع المقبلة، على حد قوله.
في هذه اللحظة تلقيت رسالة على هاتفي تنقل عن مصدر عسكري بها قوله إن الجيش المصري لن يسمح بانزلاق البلاد للفوضى والاقتتال الأهلي، وإنه على الرغم من عدم رغبة القوات المسلحة في دخول معترك السياسة لكنها تراقب ما يدور في الساحة من أحداث، ولن تنحاز لطرف ولن تسمح بتجاوز أي فصيل للخطوط الحمراء.
يعرف الجميع أن الساحة المصرية مُنقسمة على نحو لم تعرفه البلاد طيلة تاريخها المعاصر، فجماعة الإخوان من خلال الرئيس الذي تربى في كنفها ترى معارضيها مجرد مجموعة من "البلطجية والمخربين"، خاصة بعد "موقعة المقطم" التي شهدت مواجهات دامية أمام مقر الجماعة بهضبة المقطم، بين أنصار الجماعة ومحتجين مناوئين استخدم فيها الطرفان العنف، وتبادلا فيها الاتهامات بالمسؤولية عما حدث.
المعارضة ترى أن جماعة الإخوان تسعى إلى إعادة إنتاج نظام استبدادي جديد، وأنها لا تؤمن بفِكرة الوطن، وهذه هي المعضلة فهي "كيان أممي" يحلم بأن يجعل مصر منطلقًا لحلم "الخلافة الإسلامية".
ما يدركه الطرفان ويتجاهلانه هو أن الأزمة الاقتصادية ستعصِف بالجميع، فالعملة الوطنية تهوي يوميًا أمام الدولار الذي تستورد به مصر كل شيء تقريبًا، وأزمة الوقود (السولار) تتفاقم، وأبناء العشوائيات التي تحاصر القاهرة لم يقولوا كلمتهم بعد، ومع ذلك يتبنى الرئيس مرسي وأنصاره خطابًا مفرطًا في التفاؤل بأن كل الأزمات الاقتصادية والسياسية مفتعلة، وليست أكثر من "مؤامرة" من الداخل والخارج لإفشال المشروع الإسلامي.
يسخر الطرف الآخر من "نظرية المؤامرة"، ويقارنون بينها وبين ما ردده قبل عقود الرئيس الراحل أنور السادات في نهاية عهده، ويرون أن اللجوء إلى لغة التهديد واستخدام مفردات "قطع الأصابع" والتلويح باتخاذ سلسلة إجراءات استثنائية هي دليل فشل وارتباك، وفي حال تنفيذ الرئيس لتهديداته ضد معارضيه وفرض قيود على وسائل الإعلام ستكون "بداية النهاية" لنظام يصفونه بأنه لم ينجح إلا في شق صفوف المصريين وحصد مزيد من الخصوم.
باختصار يبدو الأفق السياسي في مصر حاليًا متجهًا نحو أفق مسدود فليس هناك ثمة نقاط التقاء بين الرئيس مرسي وأنصاره ومعارضيه، كما يبدو أيضًا أن الأوضاع الأمنية والاقتصادية تتجه نحو الأسوأ، ويبدو أخيرًا أن الكلمة الفاصلة في هذا المشهد ستكون للمؤسسة العسكرية إن عاجلا أو آجلا، لكن كيف، ومتى وغيرها من التساؤلات لا يمكن التكهن بها، على الأقل في المدى المنظور.