بالرغم من كل الضغوط السياسية والعقوبات الاقتصادية وتراجع قيمة العملة الإيرانية أمام الدولار، لم تفقد احتفالات رأس السنة الفارسية، عيد النوروز، قوتها أو قيمتها في إيران.
الإيرانيون رحبوا بالسنة الجديدة، وهم يعرفون تماما أن السنة القادمة ستكون صعبة ومليئة بالتحديات أيضا. بدءا من الاجتماعات التي ستجري بين إيران ومجموعة دول 5+1 بعد مدة قريبة، مرورا بارتفاع الأسعار الكبير، وصولا حتى الانتخابات الرئاسية في يونيو، كلها أمور تشغل بال كل الناس في إيران.
خطاب المرشد الأعلى للثورة آية الله علي خامنئي، في مدينة مشهد في أول يوم في السنة الفارسية، هدّأ مخاوف الناس من حدوث اضطرابات وفوضى خلال فترة الانتخابات، كما حدث بعد انتخابات الرئاسة منذ أربع سنوات. خامنئي أكد على حق جميع الناس والأحزاب والجماعات التي تؤمن بالدستور والنظام في المشاركة في الانتخابات.
ولكن بعد يومين من ذلك قال رجل الدين المتطرف آية الله أحمد خاتمي ـ أحد أئمة صلاة الجمعة في طهران ـ إن كلام المرشد الأعلى تم تفسيره بشكل خاطئ، وأن الإصلاحيين لا يستطيعون أن يشاركوا في الانتخابات! هذا التناقض الواضح مع ما قاله خامنئي، يبين أن هناك من هم أكثر تشددا من المرشد الأعلى نفسه. هؤلاء المتطرفون يحبون إغلاق جميع القنوات أمام الإصلاحيين والجماعات الأكثر انفتاحا من أجل الاستيلاء على السلطة التنفيذية أيضا.
وسط كل هذا، يقف الرئيس محمود أحمدي نجاد، في الخط الأول من الصراع بين المحافظين والإصلاحيين، ويحاول ترتيب أمور الانتخابات القادمة بشكل جيد. مجلس صيانة الدستور من حقه دستوريا أن يراقب الانتخابات، ويوافق على مؤهلات المرشحين، يسيطر عليه رجال الدين المحافظين. معظم أعضاء المجلس يعينهم آية الله خامنئي. ويفترض أن يكون هذا المجلس مستقلا لكن الجميع يعرفون في إيران أن قائمة المرشحين للرئاسة لا تتم الموافقة عليها ما لم يوافق آية الله خامنئي أولا. لكن في هذا العام يبدو أن خامنئي يجد صعوبة في السيطرة على أعضاء مجلس صيانة الدستور وجعلهم يفعلون ما يريد. رجل الدين المتشدد آية الله يازدي، عضو مجلس صيانة الدستور، قال إنه حتى بعد موته لن يوافق على مؤهلات إسفانديار رحيم مشائي للترشح للانتابات الرئاسية.
رحيم مشائي، الذي كان على مدى الـ 8 سنوات الماضية أقرب مساعدي الرئيس أحمدي نجاد، أصبح عدوا لأبرز رجال الدين المتشددين والمحافظين. وبدأ ذلك عندما أظهر مشائي تحديا واضحا لسلطتهم وحقوقهم الخاصة بالحديث عن الإسلام، وزادت مواقفه وتصريحاته الوطنية المثيرة للجدل من حدة الصراع بينهم. وما يزال من غير الواضح حتى كتابة هذا المقال فيما إذا كان مشائي سوف يرشح نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة، لكن المحافظين قلقون من هذا الاحتمال ولذلك يستخدمون أي أدوات رادعة للتأكد من أن مشائي أو أي واحد من التيار الإصلاحي مثل الرئيس السابق محمد خاتمي سيتجرؤون على دخول المنافسة الرئاسية.
لا شك أن رؤية المرشد الأعلى وفهمه للوضع تختلف عن فهم أولئك المحافظين التواقين للسلطة. هو يفهم الوضع الحساس والحاسم الذي تمر به إيران حاليا، والمخاطر التي تحيط بالبلد من كل جانب. البرنامج النووي الإيراني المثير للجدل وصل إلى مرحلة تتطلب إيجاد حل واضح وحاسم خلال فترة وجيزة، وإلا فإن البلد سوف يعاني من مزيد من العقوبات التي ستؤدي إلى تدهوره اقتصاديا بشكل أكبر. إذا وضعنا احتمال المواجهة العسكرية مع إسرائيل، فإن ما يهدد إيران بالدرجة الأولى هي عوامل داخلية أكثر من خارجية.
الإيرانيون الجائعون والغاضبون لا يستطيعون تحمل انتخابات يتعرضون فيها لمضايقات وألاعيب، بحيث ينجح أحد رجال الدين المتشددين في نهاية المطاف في الوصول إلى منصب الرئاسة.
آية الله خامنئي يعرف أن التدخل غير المنطقي والدستوري في الانتخابات سيزيد غضب وإحباط الشارع الإيراني، ولذلك أكد في خطابه الأخير أن الانتخابات ترمز لموافقة الشعب على قيادته. المرشد الأعلى يرمي إلى تشجيع الإيرانيين للمشاركة في الانتخابات بأكبر عدد ممكن بغض النظر عن طموحات باقي رجال الدين المتشددين.
هذه الانتخابات هي أهم انتخابات في إيران منذ قيام الثورة؛ لأن البلد يمر في ظروف طارئة. عدد سكان إيران هو 75 مليون نسمة، وإذا قرروا أن ينتفضوا على النظام ويغيروه، فلن يستطيع حتى الحرس الثوري أن يمنعهم من ذلك. يظهر التاريخ أن الناس في إيران يميلون إلى إجراء التغييرات والإصلاحات بشكل سلمي، لكن هناك دائما احتمال لحدوث ما هو غير متوقع، وآية الله خامنئي لديه ما يكفي من الحكمة ليعرف حساسية الوضع ويتصرف على أساسه.
الشعب بحاجة أن ينسى الطعم المر الذي خلفته نتائج الانتخابات السابقة، وبحاجة إلى الإحساس بالحماس الكافي ليشارك في التصويت في هذه الفترة الحرجة. يبدو أن المرشد الأعلى مقتنع بأن الرئيس القادم يجب أن يكون الشخص الذي يحصل فعلا على أعلى عدد من أصوات الناخبين، حتى ولو لم يكن ذلك الشخص من بين المحافظين. لقد اتخذ خامنئي قراره بأن تكون الانتخابات مفتوحة للجميع، وعلينا أن ننتظر الآن لنرى إذا كان المحافظون سيقبلون قرار المرشد الأعلى ويطيعون أوامـره.