لا شيء يربك الأسر السعودية ويقض مضاجعها، سوى اكتشاف أفرادها أن خادمتهم قد تسللت في جنح الليل أو مع بزوغ الفجر وهربت إلى جهة غير معلومة، ويبقى السؤال: من الذي يقف وراء تشجيع خادمة قدمت للبلاد منذ أيام قليلة أو حتى شهور ولا تعرف حتى اتجاهات المدينة كي تخاطر بالهرب؟ وإلى أي جهة تذهب ما لم يكن هناك من يزودها بمعلومات وأرقام هواتف وتوفير ملاجئ أو محاضن؟

ولم يجد المواطنون قرائن تقودهم لإجابة تساؤلاتهم أقرب من اتهام سماسرة مكاتب الاستقدام الخارجية بتشجيع الخادمات على الهرب ورفضهن العمل مع كفلائهن، بدليل أنهم يقودون الراغبين للعاملات المنزليات إلى مكاتب غير معروفة لتوكيلها لاستقدام خادماتهم، بحجة أنها أكثر سرعة لإنجاز المهام مقارنة بالمكاتب المحلية رغم غلاء الأسعار، ودون أن يوقع المواطن على أي شروط تلزم هذه المكاتب بتنفيذ الإجراء في المواعيد المحددة أو إعادة المبلغ في حالة الفشل في الالتزام باستقدام الخادمة.

ويشكو مواطنون تحدثوا لـ"الوطن" من أنهم كانوا ضحية لاحتيال السماسرة الذين يلجؤون إليهم مضطرين ويدفعون مبالغ طائلة دون معرفة مدى صدقية أو شرعية ونظامية هذه المكاتب وبلا أي ضمانات، ليتفاجؤوا بعد ذلك بأن الخادمة المستقدمة غير مطابقة للمواصفات وشروطهم، إما كبيرة السن أو بها عيب ما، داعين الجهات المعنية لضرورة وضع قوانين تحد من استغلال المواطنين من قبل مكاتب خارجية عبر وسطاء في الداخل.


الهروب الكبير

عدد من الضحايا يجأرون بالشكوى من عمليات نصب واحتيال ترتكب بحقهم حينما يتفاجؤون بحقيقة الهروب الكبير للخادمة. يقول المواطن مبارك المطني من سكان مركز قبة بمنطقة القصيم وأحد المتضررين بسبب هروب عاملته المنزلية التي استقدمها عن طريق أحد السماسرة الذين يتعاملون مع مكاتب في الخارج، إن حاجة أسرته دفعته إلى اللجوء للسماسرة لحل مشكلته، مشيراً إلى أنه تم الاتفاق على مبلغ 15 ألف ريال حولها لحساب الوسيط، إلا أنه فوجئ حين وصول العاملة بأنها كبيرة في السن رغم اشتراطه بأن تكون صغيرة أو متوسطة في العمر، وتابع "أصبحنا نوكل إليها بعض الأعمال البسيطة مراعاةَ لكبر سنها رغم حاجتنا لقيامها بالكثير من المهام والأعمال المنزلية.. إلا أنها مع ذلك هربت منا إلى جهة غير معروفة"، وطالب المطني الجهات المعنية بضرورة وضع قوانين تحد من استغلال المواطنين من مكاتب خارجية عن طريق وسطاء في الداخل.

سمسار: لسنا مسؤولين

ولكن المتعاونين مع المكاتب الخارجية، أو من يطلق عليهم "السماسرة" ينأون دائماً من تهمة تشجيع الخادمات على الهرب، وأنه لا علاقة لهم بالعاملة المنزلية بعد إخلاء طرفهم بتسليمها للكفيل، ويقول أحدهم - رفض الإفصاح عن اسمه "نقوم بتحويل المبلغ للمكتب الذي نتعاون معه في الخارج ويتحمل كامل المسؤولية عن العاملة حتى يسلمها إلى كفيلها"، وإنه يتقاضي مقابل ذلك ثلاثة آلاف ريال عن كل عاملة يتم استقدامها عن طريقه، مخلياً بذلك مسؤوليته عن هروب العاملة بعد وصولها، ونوه إلى أن الخادمة إذا كانت مريضة أو حاملا فإنه تتم استعادتها خلال مدة الأشهر الثلاثة الأولى من العمل لدى مكفولها، وقال "هذا اتفاق بيننا وبين مكتب الاستقدام في الخارج". وعن الإجراءات التي يتم من خلالها استقدام العاملة، أشار إلى أنه من الشروط إخراج وكالة عن طريق أحد كتابات العدل في الداخل باسم مكتب في الخارج، وبهذا يتم إيصالها، مشيراً إلى أن المدة الزمنية لوصول العاملة تتراوح ما بين شهر إلى شهرين.


التعامل مع "الخارج" مخالفة

مدير مكتب استقدام في مدينة الرياض، حماد الدوسري، يرى أن تعاون بعض السماسرة في الداخل مع مكاتب في الخارج يعد أمرا مخالفا للعديد من الأنظمة التي تحمي حقوق الكفيل، ومن ذلك أن المواطن يستقدم عاملة منزلية بلا شروط بينه وبين المكتب الذي استقدم منه العاملة، وهذا يجعل حقوق الكفيل ضائعة، وبالتالي يكون الكفيل الضحية. أما في حالة كون العاملة غير لائقة طبياً أو حاملا فإنه بهذه الحالة لا يستطيع التواصل مع أي جهة لإعادة العاملة لبلادها وحفظ حقوقه المالية التي دفعها لأحد السماسرة الذي سرعان ما يختفي عند إشعاره للكفيل بوصول الخادمة. وأشار الدوسري إلى أن هناك عصابات في الداخل تتواصل مع السماسرة في الخارج، يقومون بتهريب العاملات من منازل كفلائهن بعد وصولهن لبيوت الكفلاء بأيام ومن ثم يتم بيعهن لأسر أخرى بأثمان عالية، مستغلين بذلك ظروف بعض الأسر وحاجتها للعاملة، وقال "إن السماسرة يقومون بإرسال "المتردية" و"النطيحة"، لأن همهم الأول والأخير الحصول على المال، على خلاف المكاتب في الداخل التي تهتم بالكفيل أكثر من المكاتب الخارجية حفاظاً على سمعتها، فضلا عن الشروط التي يتم توقيعها بين المكتب المحلي وصاحب العمل، فيما يتم في بعض الحالات إعادة العاملة إلى المكتب واستبدالها بأخرى في حال عدم رغبة العاملة في العمل لمدة محددة أثناء وصولها، وهذه غير موجودة في المكاتب الداخلية".

"العمل" لا تتجاوب

وفيما لم يتجاوب مدير مكتب العمل بمنطقة القصيم، سليمان الشدوخي، مع اتصالات "الوطن" التي سعت للحصول على المزيد من المعلومات حول هرب الخادمات والتعرف على دورهم فيما يتعلق بقضايا الكفلاء مع العاملات المنزليات، ولكنها لم تتمكن من الوصول إليه، لم يكف المواطنون عن مطالبة الجهات المختصة بوضع قوانين تحد من تدخل المكاتب الخارجية عبر وسطاء في الداخل للوساطة بين المواطنين الراغبين في استقدام الخادمات، إلا أن للمديرية العامة للجوازات رأيا آخر، وحصرت دورها في جوانب تتعلق بعملها ولا تتعداها إلى متابعة قضايا الضحايا، إذ قال مصدر لـ "الوطن" إن الجوازات غير معنية بما يتعلق باستقدام العمالة عن طريق مكاتب خارجية طالما أن العاملة أو العامل القادم للبلاد ليس مسجلا ضده قضية أمنية وأن صفاته الحيوية سليمة.





اتهامات لأصحاب "الشنط"

من جانبه ذكر عضو اللجنة الوطنية للاستقدام بمجلس الغرف السعودية، رئيس لجنة الاستقدام بالغرفة التجارية الصناعية بمنطقة القصيم خالد السيف لـ "الوطن" أن هذه التجاوزات تحدث من قبل من سماهم أصحاب "الشنط"، ويقصد بذلك من يتعاونون مع مكاتب خارجية لاستقدام العاملات المنزليات أو مكاتب الخدمات المخالفة للأنظمة، وحذر المواطنين من التعامل مع هؤلاء، لأن اللجوء إليهم فيه مضيعة لحقوقهم، ودعا إلى ضرورة الاستقدام عن طريق مكاتب الداخل، لأنها أضمن لحقوقهم، لافتا إلى أن هناك شروطا واضحة وصريحة، واتفاقا بين مكتب الاستقدام وصاحب العمل يحمي حقوق المواطن المالية.

وأضاف السيف أنه تمت مخاطبة عدد من الجهات المسؤولة لإيقاف مثل هذه التجاوزات من قبل الأشخاص أو مكاتب الخدمات، إلا أنه لم ير أي تجاوب، مشيراً إلى أن تأخر عمـليات الاستقدام لبعض المكاتب في الداخل لعدة أشهر، مـرده إلى وجـود التزامات وعقود، ولكن مهما تأخرت هذه المكاتب فإن ذلك يصب في مصلحة صاحب العمل، لأنـها تحرص على سمعتها. ولفت إلى أنه تمت مخاطبة عدد من الصحف المحلية بعدم الإعلان لبعض مكاتب الخـدمات التي تعلن عن استقدامها للعاملات المنزليات، وتابع "بعض مكاتب الخدمات أصبحت تلجأ لبعض صحف الإعلانات.. وبعض النشرات الورقية عند أماكن تجمع الناس مذيلة بأرقام جوالات أصحابها".