ظهرت في السنوات الأخيرة العديد من التطبيقات التي تمكن المستخدم من إجراء مكالمات أو تبادل الرسائل بشكل مجاني عبر الهواتف المحمولة، مثل "سكايب" و"فايبر" و"واتس أب" و"لاين". فما الفائدة الربحية التي تحققها الشركات المنتجة لهذه البرامج المجانية؟ ولم تسمح لها شركات الاتصال الرسمية بالعمل على الهواتف المحمولة التي تشغلها؟ أليس من الأولى منعها حتى لا تؤثر على أربحاها؟
لنبدأ بالحديث بشكل مختصر عن هذه التطبيقات وطريقة عملها، فهي تستخدم تقنية نقل الصوت عبر ميثاق (بروتوكول) الإنترنت والمعروفة بـVoIP، فهذا الميثاق هو وسيلة لربط المحادثات عبر أي شبكة تستخدم ميثاق شبكة الإنترنت IP. فما هي الميزة التي يقدمها الاتصال عبر هذه التقنية تحديدا؟
نظرا لأن تقنية VoIP ترسل البيانات على شكل حزم منفصلة بدلا من إلزامية، تخصيص خط اتصال محدد، فإن ذلك يؤدي لانخفاض التكلفة مقارنة بشبكات الاتصالات التقليدية، وهي لا تحتاج إلى بنية تحتية ومعدات اتصالات خاصة مرتفعة التكاليف، بل تستخدم الشبكات المتاحة حاليا للاتصال بالإنترنت. كما تتمتع بميزة التدرجية وهي القدرة على النمو مع تزايد أعداد المستخدمين، وكذلك تنتفي هنا التكاليف الناتجة عن الاتصال بأرقام خارج الشبكة المحلية بالنسبة للمكالمات الدولية أو ما يعرف بخدمة التجوال الدولي، فالكل مرتبط بالشبكة نفسها بغض النظر عن الموقع الجغرافي. بالإضافة إلى ميزاتها في نقل الوسائط المتعددة وسهولة استخدامها.
وتتعدد وتختلف الطرق التي تجني بها الشركات المنتجة لهذه البرامج أرباحها، فمثلا "الواتس أب" تحقق الأرباح بطريقة تقليدية عبر بيعها للبرنامج بمبلغ رمزي. والأمر نفسه ينطبق على تطبيق "سكايب"، فبالرغم من أنه مجاني بشكل عام؛ إلا أنه يقدم خدمات أخرى متعددة مدفوعة الثمن وبمزايا تنافسية، وعن طريق هذه الخدمات يتمكن من جني الأرباح خاصة عند الاتصال بأرقام دولية أو بأرقام لخطوط هاتف أرضية. ويختلف "فايبر" عنهما في أنه مجاني بالكامل، ولا يقدم أي خدمة مدفوعة الثمن، بأنهم لم يجنوا منه بعد أي فوائد مادية! وتبريرهم بأن ما يهتمون به الآن هو تكوين قاعدة عريضة من المستخدمين، بحيث تستخدم هذه القاعدة لاحقا في تصميم منتجات جديدة تكون قادرة على خلق الأرباح كما يتوقعون.
وخبراء التسويق في عالم الهواتف المحمولة يوضحون الاستراتيجيات التي تدفع شركة ما لإنتاج برنامج مجاني، منها استراتيجية "فايبر" آنفة الذكر، بالإضافة إلى الاستراتيجيات التالية:
1- تطبيقات شبه مجانية Freemium: أي أن تقوم الشركات بإنتاج نسخة محدودة الإمكانات من المنتج الأصلي، بحيث تسمح للمستخدم بتجريبه بشكل يعطيه الخواص المهمة التي ستؤدي لإعجابه به، لكنها في الوقت ذاته ستحرمه من خواص أخرى تتيح له الاستفادة الكاملة من قدرات البرنامج.
2- تحصيل مكاسب من الترقية والتحديثات: مثال ذلك الوصول لمراحل جديدة فيما يتعلق بالألعاب الإلكترونية.
3- تمكين النشاطات التجارية: فهناك تطبيقات مجانية في ذاتها، إلا أنها تمكن المستخدم من القيام بعمليات تجارية إلكترونية وتعطيه خصائص مختلفة للتسوق مثل تطبيق متجر "أمازون".
4- ترويج العلامة التجارية للشركة: قد لا تتحقق أرباح تذكر بشكل مباشر من التطبيقات المجانية لبعض الشركات الكبرى مثل "ماكدونالدز" أو "ستاربكس"، وهي لم تنتج لهذا الهدف، وإنما لأجل الاحتفاظ بولاء المستخدمين لهذه لعلامات التجارية ومنتجاتها، بحيث يشاهد آخر منتجاتها، ويتابع أهم عروضها.
5- الدعايات التجارية: وتظل الدعايات المختلفة من أقدم وأنجح الطرق التي يتمكن بها مصممو البرامج من تحقيق أرباح مادية من المعلنين بحيث لا يحتاج المستخدم تحمل تكلفة الإنتاج والتشغيل. تنظر الشركات المشغلة للهواتف المحمولة اليوم بالكثير من الريبة لهذه البرامج المجانية، وبالرغم من أنها لم تكن في معظم الدول – حتى الآن - من الحماقة لتمنع استخدام هذه البرامج فتفقد مشتركيها، وهي قد تتذرع بالهاجس الأمني المحلي، لا سيما في عصر الحرب على الإرهاب، إلا أنه من الواضح للمستخدم العادي أن أكثر ما تخشاه هو ما سيترتب عليها من هبوط في الأرباح التي تجنيها من المكالمات الهاتفية عبر شبكاتها. وعبر دراسة أجريت في نوفمبر 2011 في مؤتمر Telco 2.0 والذي حضره مندوبون من شركات الهواتف المحمولة من آسيا وأفريقيا وأوروبا، عبر المشاركون عن اعتقادهم بأن الأرباح المجنية من الاتصال الصوتي ستقل بنسبة 21% في السنوات الثلاث المقبلة في حين ستنخفض أرباح الشركات المشغلة من الرسائل النصية بنسبة 37%، وعزا 44% من هؤلاء السبب إلى ظهور هذه البرامج المجانية التي تسمح بتجاوز شبكاتهم.
برايان أكتون أحد مؤسسي برنامج "الواتس أب"، يعتقد بأن على الشركات المشغلة للهواتف المحمولة ألا تقف في وجه التطور التقني، وأن تنظر للنصف الآخر من الكأس. فهذه التطبيقات تحتاج للاتصال بشبكة الإنترنت، وهذه الأخيرة لن تعمل على الهاتف المحمول إلا بوجود شبكة اتصالات لاسلكية، أو عبر شبكات الجوال التي تستخدم معايير الجيلين الثالث أو الرابع .3G/4G فهنا فرصة ذهبية إذاً للتركيز على تحقيق الأرباح عبر بيع منتجات الشركة من حزم الاتصال بالإنترنت بشكل رئيسي في المستقبل وليس من خلال تكلفة الاتصال الصوتي.
ويبدو أن شركة "الواتس أب" ستعمد لتحقيق الكثير من الأرباح التشغيلية عن طريق توقيع اتفاقيات مع الشركات المشغلة للهواتف المحمولة، حيث يتاح البرنامج كخدمة اشتراك كما هي الحال شبكة الهواتف المحمولة الإندونيسية Telkomsel.
فالأجدى إذاً للشركات المحلية والوطنية المشغلة لشبكات الهواتف المحمولة أن تركز جهودها على المستقبل، وعلى كيفية الاستفادة من التطورات المقبلة لزيادة الأرباح، بدلا من الانشغال بالقلق من التطبيقات التي توفر اتصالات مجانية أو محاربتها. فالتقنية ستواصل تقديم المزيد من الحلول التي تتيح تجاوز شبكات الشركات المشغلة بفعالية أكبر، إذ ما زالت تقنية VoIP في الوقت الراهن تعاني من تحديات عديدة وتحتاج للتطوير، ولا أحد يستطيع أن يوقف عجلة التطور لكنه يستطيع اللحاق بها وركوبها في الوقت المناسب.