رامي سيد حكم - القاهرة


لا شك أن الشارع السياسي المصري قبل الإعلان الدستوري الأخير كان يعيش حالة من الاستقطاب والتي لم تهدأ طيلة الأشهر الأربعة الماضية، وكان كل من المعسكرين - إذا جاز التعبير لهذه التسمية - (المعسكر المسمى بالتيارات الدينية) والآخر (المسمى بالتيار المدني) في حالة من الصدام الدائم، وانعدام الثقة، وقد تجلت هذه الحالة داخل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور حتى وصلوا إلى طريق مسدود بعد أن انسحب التيار المدني تقريباً بكامله.

بات على التيار الديني أن يستغل موقعه الرئاسي ونفوذه القانوني بأن يضع حلاً لهذه المعضلة التي باتت واضحة ولا تقبل الشك؛ أن اللجنة التأسيسية تواجه الرجوع إلى نقطة الصفر.

الرئيس مرسي اتخذ من قبل قراره بإعادة مجلس الشعب، وتم إلغاؤه من قبل المحكمة الدستورية، ثم بعد ذلك إقالة النائب العام عبدالمجيد محمود، وأيضاً إعادته المحكمة الدستورية، بما يعني أن مؤسسة الرئاسة أو بالأحرى مستشاري الرئيس للشؤون القانونية؛ كانوا يريدون تمرير أشياء هي ليست من سلطات الرئيس مرسي، والسؤال هنا: هل كان هؤلاء المستشارون على علم بأحقية الرئيس في اتخاذ هذه القرارات، أم إنهم كانوا يريدون بسط كلمة الإخوان حتى وإن كانت تخالف شرعية القانون؟

ومن هنا ندرك لماذا اتجه هؤلاء المستشارون إلى الشرعية الثورية التي أرتأوا أنها الملاذ لما يريدون أن ينفذوا من خلاله ويبسطوا كلمتهم التي يريدون من خلالها إحكام قبضتهم على التأسيسية، وألا يعودا لمربع الصفر من جديد. ولكنهم وقعوا في إشكالية أكبر، ونسوا أو اعتقدوا أن الأمر سوف يمر مرور الكرام على المعسكر المدني بأن إعلانهم الدستوري المعلن أخيراً يستند على شرعية الرئيس الثورية، ولم يدركوا أن الرئيس أتى من شرعية انتخابية، وهذا هو الإشكال الحقيقي الذي أوقعوا فيه الرئيس مرسي.

كان من الممكن لهذا الإعلان أن يكتب له أو لبعض بنوده النجاح لو أنه ابتعد عن الشرعية الثورية، وصدر كمرسوم بقانون حتى لا يجور على السلطة القضائية التي وقفت له بالمرصاد، وليس بخاف على أحد أن هناك أزمة مستحكمة بين الإخوان ونادي القضاة الذي يتمثل في رئيسه المستشار أحمد الزند الذي دعا لانعقاد الجمعية العمومية للنادي، وصدرت عنه توصيات أقلها إعادة النائب العام لمنصبه، ثم تعليق العمل بالمحاكم.

هناك دعوات لمليونية اليوم الثلاثاء في ميدان التحرير دعا لها المعسكر المدني للتعبير عن رفض الإعلان الدستوري، وهناك أيضاً دعوات لمليونية إخوانية أمام جامعة القاهرة لتأييد الرئيس وعدم التراجع فيما أعلنه، هذه الدعوات والمليونيات تدعونا للقلق بل والترقب عما ستسفر عنه هذه الدعوات.

يذكر في هذا المقام أن هذا الإعلان الدستوري قد كرس للانقسام أكثر وأكثر وبات وضع الشارع السياسي في مأزق حقيقي يحتاج لتدخل العقلاء من الجانبين لإعلاء مصلحة الوطن بعيداً عن المصالح الضيقة التي إذا أتت فلن يكتب لها النجاح طويلاً.

إذا فشل المصريون في الاتفاق والاصطفاف حول الدستور، فعليهم العودة إلى نهر النيل الخالد الذي اصطف حوله المصريون منذ قديم الزمان، والارتواء من مائه لعله يزيل الاحتقان العالق في النفوس.