ما زال حضور المتحدث الرسمي الحكومي يومض على تباعد كالبرق، وإذا حضر فعلى عجلة من الأمر، وما زلت أشعر بوطأة الأسئلة التي تبدأ صغيرة ثم تتكور وتكبر وتتورم ثم تنفجر كالشظايا.

وكنت أشرت في مقال سابق إلى ضرورة محاصرة الأسئلة المنطقية، أو تلك الأسئلة التي تستهدف الفتنة وشق الصف الوطني من خلال التواصل مع ما تقذفه وسائط التواصل الاجتماعي من نقاشات وما تثيره من بلبلة متعمدة من قبل كثير من الذين يريدون كسب الناس إلى صفهم عبر التشكيك وإيغار الصدور على الحكام والعلماء والمسؤولين، ودعوت في حينها إلى أن تتم جدولة خروج المتحدث الأمني بشكل متواتر ودوري في مؤتمر يعلق فيه على أكثر ما ينشر أو يثار في هذه المواقع، حتى يتولى ردع الكثير من الشكوك والشبهات التي صارت تنطلق وتنتشر بسرعة قياسية لدى أكبر قدر من المتلقين من المواطنين.

ومعلوم أن انتشار هذه الوسائط وتعددها وكثرة ما تنتجه من أفلام ووسائط مرئية ومكتوبة فإنها لا تمكن المتابع والمتلقي من التدقيق وتمحيص ما يرده من وسائط وما تقذفه سماوات التواصل الاجتماعي المتعددة، بل إن المتلقي لكثرة ما يرده يقوم بالاطلاع السريع والعابر ثم يتولى إعادة إرسال المادة الواردة إلى متابعيه في "تويتر" أو "الواتس أب" وغيرهما، ثم تقوم تلك المجاميع بدورها بإعادة إرسالها هي الأخرى، وهكذا تنتشر هذه المادة "غير الموثقة أو المدققة" لدى المستفيدين من هذه التقنية، وكلنا نعلم حجم اندماج السعوديين وتعاملهم الكمي والنوعي مع هذه الوسائط الحديثة ومن اليقين أن معظمهم هم من فئة الشباب، وعليه فإنه يمكنك تصور شكل العلاقة التي تتشكل حاليا داخل نفوس هؤلاء الشباب عن وطنهم وعلمائهم ومسؤوليهم.

ولهذا أرى أن هناك ضرورة ماسة لاستحداث وظيفة متحدث رسمي يمثل الحكومة من خلال مجلس الوزراء وتصب عنده كل الردود التي تخص الدولة في القضايا الخارجية والداخلية، خاصة ما يتعلق بالجوانب الأمنية وما يمس علاقات المملكة مع الدول الأخرى، ومن بينها تلك الدول التي تمارس استهدافا مستمرا للمملكة وتحسب معه تلك الدول أن صمت المملكة نتاج عجز وضعف وما تدري أنه ترفع وحكمة، لكن ليس بالضرورة أن الغالبية من المواطنين يدركون أبعاد سياسة وطنهم في الترفع عن النزول إلى مستوى هذه الأجندات البغيضة، بل إن الاستمرار على هذا النهج قد يؤصل في نفوس الشباب الاعتداد بهذه الأساليب التحريضية وما يتم بثه وإطلاقه من إشاعات وأكاذيب والتي قد تكتسب مع استمرار وتواتر نشرها مصداقية، وربما أن عدم رد الحكومة عليها يكرس في نفوسهم ما يظنونه عجزا وضعفا في الحجة وتثبيتا للأدلة والأكاذيب المبثوثة.

إنني أشم رائحة المخاطر التي تكتنف هذه الوضعية مما تكتظ به المواقع الإلكترونية والوسائط الاجتماعية وحجم إسهامها في تغيير انطباعات الناس وتأثيرها المتوقع - على المديين المتوسط والطويل - في تحريض النفوس وما ينتج عن ذلك من إضعاف الولاء لا سمح الله.

لقد تغير الأمر في العقد الأخير على نحو لم يعد فيه الإعلام سلطة رابعة كما كان يقال، بل أحسب أنه بتعدد قنواته قد ارتقى إلى درجة أعلى في إحداث التغيير والتأثير في المزاج العام والذائقة السائدة.. ما عليك إلا أن ترصد حجم التذمر الذي يختلج في نفوس بعض الناس لتدرك حجم التأثير الذي صارت تتركه أساليب المقارنات غير المنطقية وغير المنصفة بما يعزز من ضرورة وجود المتحدث الحكومي الرسمي الذي يفترض أن يتحدث بشكل دوري من تحت قبة مجلس الوزراء وفق ما يرده من معلومات وحقائق من الوزارات أو من الأجهزة الأمنية بين فترة وأخرى، وبحسب ما يتم رصده من موجات تحريضية توجه لوطننا العزيز.