عندما يتحدث البعض في شأن ما، يخيل إليك أن مخاطبك منفصل عن العالم، ويعيش في عالمه الخاص، من خلال الاعتقاد بمثالية تجربته الأولى في الحياة. حتى إنه يود لو عمم خبراته الشخصية "القديمة"، باعتبارها الأصلح والأكثر فائدة.

وخلال المدة الماضية عصفت رياح التغيير بالاتحاد السعودي لكرة القدم، لكنها غيرته شكليا دون أن تمتد إلى الفكر الذي يسيره أو الثقافة السائدة فيه.

وفي سنوات سابقة، كان المرء يدخل إلى مبنى الاتحاد السعودي، ولا يعلم إن كان هذا المبنى مؤسسة رياضية أم منظمة سياسية، إذ يتفرغ مجموعة من القوم لرأب الصدع العربي من خلال "الجلد المنفوخ"، بينما يهتم آخرون بالحفاظ على رباط الأمة الإسلامية من خلال دعوة المسلمين في أنحاء العالم لركل الكرة، وآخرون يهتمون بتعزيز التعاون الخليجي، ودحر الخطر الإيراني، بتكثيف التجمعات الرياضية، وقذف الكرات إلى الشاطئ المقابل!.

وعندما تسأل أحدهم لماذا كل هذا "التسييس" يقول لك: "المصلحة العليا والدور الريادي للبلاد يفرضان هذا العمل". ومع الأسف كثيرون أوقفوا عقارب الساعة في الستينات، ولم يعيدوا تشغيلها، بل لم ينتبهوا إلى أن الخلاف السعودي المصري انتهى، وأن دول الطوق وحركة فتح أصبحوا يعترفون بإسرائيل والأخيرة تعترف بهم، وأن الريادة باتت اقتصادية بعيدا عن الشعارات و"هرش" المخ.. ومع هذا نجد بعض القياديين ما زال يردد على مسامعنا عبارات على نحو "الاتحاد العربي ولد ليبقى" دون أن يدرك الهدف من بقاء وتبني هذا الاتحاد الاثني!.

لسنا ضد أن يجتمع الشبان من البلاد العربية والإسلامية، ولكن بعيدا عن التأثير على مكتسباتنا الرياضية، إذ ليس من المنطق أن نجبر اللاعبين المحترفين على اللعب في منافسات لا تسمن ولا تغني من جوع، لمجرد خدمة أهداف سياسية لا يمكن تحقيقها في زمننا عن طريق كرة القدم!.

وقبل نحو يومين هدد رئيس نادي الهلال الأمير عبدالرحمن بن مساعد، بمنع لاعبي فريقه من اللعب في البطولة الإسلامية خلال الصيف المقبل، على اعتبار أن مشاركتهم ستأتي على حساب النادي، الذي يصرف عشرات الملايين من أجل برنامج لتأهيل اللاعبين لمنافسات محددة مسبقا، ولا يلام الرجل حين تحدث بصراحة عن عدم جدوى تفريغ اللاعبين من أجل بطولة تفتقد إلى الاعتراف، خاصة وأن مباريات البطولة الإسلامية لا تسجل في "فيفا" ولا يعترف بها كمباريات رسمية أو حتى ودية!.

ولا أعلم لماذا نحرص على اختزال التجمعات الخليجية والعربية والإسلامية بمشاركة منتخب كرة القدم بكامل نجومه، مع أن مشاركة المنتخب السعودي للشباب في كأس العرب 1988 لم تتسبب في تفريق الصف العربي، ولم تمنع مشاركة المنتخب الأول في البطولات العربية صدام حسين من غزو الكويت وبعثرة الصف العربي!.

ولأننا ندرك أن كثيرا من المسؤولين الرياضيين ما زالوا يعيشون تحت تأثير الشعارات القومية، فالأجدى أن نقترح عليهم توجيه البطولات العربية والإسلامية لبناء شباب الأمة، من خلال تخصيصها للفئات العمرية، على اعتبار أن خدمة الأهداف السياسية من خلال كرة القدم "فاتت" على الـ"فيفا"، ولم يجعل لها مخرجا في منظومة الاحتراف، فإما أن يلعب الشاب كمحترف يعمل في مهنة لعب كرة القدم، وإما أن يتفرغ لخدمة قضايا الأمة، وتحقيق تطلعاتها السياسية من خلال اللعب كهاوٍ يشد الرحال أينما وجدت كرة تحتاج إلى ركل!.