"بضدها تتميز الأشياء"، عبارة لخصت المشهد المصري منذ إصدار الرئيس محمد مرسي، إعلانه الدستوري الذي أوجد حالة استقطاب سياسي، وتسبب في انقسام الشارع بشكل لم يسبق له مثيل منذ ثورة يناير. وتصاعدت وتيرة التطورات بشكل درامي، بلغ ذروته بمواجهات دامية في القاهرة وعدد من المحافظات، بين أنصار التيار اليساري والليبرالي، وبين أنصار جماعة الإخوان وحلفائهم من الكيانات الإسلامية. ودعا الإسلاميون مرسي إلى "فرم" المخالفين. وفيما تقدم مساعد رئيس الجمهورية لشؤون التحول الديموقراطي سمير مرقص باستقالته من منصبه اعتراضا على الإعلان الدستوري، ندد المرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق بالقرارات قائلا: إن "مرسي قوَّض أركان الحكم وابتلع الدولة".
ونفى مرسي في خطاب ألقاه أمام القصر الرئاسي، أن يكون المقصود من الإعلان الدستوري تصفية حسابات بل لحماية الثورة، قائلاً إن ترديد مثل تلك الأقاويل "بضاعة رخيصة لا تستحق الحديث عنها".
وقوبل الإعلان بانتقادات دولية، إذ اعتبرته واشنطن "مثيرا للقلق"، ووصفته باريس بأنه "اتجاه غير صحيح"، وسط دعوة الاتحاد الأوروبي لمرسي إلى "احترام العملية الديموقراطية".
اختلف المشهد السياسي في مصر أمس إلى نقيضين، فبينما خرجت مسيرة حاشدة قادها التيار اليساري والليبرالي، بمشاركة عدد من الأحزاب والحركات منها: حزب التيار الشعبي، وحزب الدستور، وحركات 6 إبريل، والاشتراكيين الثوريين، وشباب اليسار، مندِّدة بالقرارات الأخيرة التي اتخذها الرئيس محمد مرسي، ومطالبة بعدم التدخل في الشأن القضائي. بالمقابل خرجت مسيرة نظَّمتها جماعة "الإخوان المسلمون"، وشارك فيها حزب النور السلفي، والجماعة الإسلامية، وحزب البناء والتنمية، وحركة حازمون، وائتلاف المسلمين الجدد، والإسلاميين الثوريين، حيث ردَّد هؤلاء شعارات مؤيدة للرئيس، ودعته إلى مزيد من "الفرم" حسب تعبيرها.
وكانت وزارة الداخلية قد فرضت إجراءات أمنية مشددة في محيط مبنى الوزارة ومجلسي الشعب والشورى ومجلس الوزراء، حيث تم وضع الأسلاك الشائكة بمداخل الشوارع المؤدية إلى هذه الأماكن التي شهدت انتشارا مكثفا لقوات الأمن المركزي. وأعلنت الداخلية أنه "في ضوء دعوات بعض القوى السياسية والثورية إلى تنظيم مسيرات وتظاهرات في بعض الميادين بمختلف المحافظات، نؤكد التزامنا بحرية التعبير السلمي من خلال المسيرات والمظاهرات،وسنضطلع بمسؤولياتنا في تأمين المنشآت المهمة والشرطية والممتلكات".
وتعليقا على القرارات الأخيرة قال المرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق: "مرسي قوَّض أركان الحكم وابتلع الدولة، وتحول إلى الانفراد المطلق بالسلطة، ويبدو أنه لم يتعلم الدرس من وقائع سابقة، حين أجبرته المحكمة الدستورية على الرجوع عن قراره الخاطئ بإعادة مجلس الشعب، وألزمته سلطة القانون الإبقاء على النائب العام عبدالمجيد محمود في موقعه. إلا أنه يصر على أن تكون شرعية الرئيس محطا للطعن؛ لأنها وُجدت بالزيف والتزوير، ودعا شفيق المصريين في بيان له أمس بمساندة وتأييد الجمعية العمومية لنادي قضاة مصر، والتي ستنعقد اليوم "للرد على هذه القرارات غير الشرعية".
وفي ذات الاتجاه، يؤكد المتحدث باسم حزب التحالف الشعبي الاشتراكي مدحت الزاهد، رفضه للإعلان الدستوري، ووصفه بأنه "متاجرة بدماء الشهداء وصنع لديكتاتور جديد". بالمقابل يقول المتحدث الرسمي باسم "الإخوان المسلمون" محمود غزلان: "قرارات مرسي ثورية وشعبية، وتظاهر بضعة آلاف بميدان التحرير ضد الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور لا يعني أنها غير شرعية؛ لأنها شرعية بمقتضي الإعلان الدستوري ومجلسي الشعب والشورى".
من جانبه نفى مرسي، أن يكون المقصود من الإعلان الدستوري تصفية حسابات، قائلا: إن ترديد مثل تلك الأقاويل "بضاعة رخيصة لا تستحق الحديث عنها". وأضاف "لم أكن لأظلم أحدا، ولم أرغب في حمل مسؤولية التشريع لولا حل مجلس الشعب، لكن لا بد من محاسبة من يعلنون أحكاما قضائية مسبقة قبل انعقاد جلسة الحكم في قضايا حل تأسيسية الدستور، وحل مجلس الشورى، وكأنهم يريدون حل الوطن كله، وأفعل ذلك من أجل الاستقرار السياسي وتداول السلطة". وأشار مرسي إلى أن هناك "مالا فاسدا" يستخدم من جانب رجال النظام السابق لإشاعة الفوضى، وأنه مع المعارضة الواعية، وليس مع من يريدون حرق مؤسسات الدولة. ورد على من هتفوا منادين بتطبيق شرع الله بقوله: "التطبيق يكون بالحق والعدل والمساواة والعدالة الاجتماعية والنماء الاقتصادي".