يعد الزواج العلاقة المشروعة الوحيدة بين الرجل والمرأة التي حظيت بتأييد كل الشرائع السماوية وتقبلها الفطرة الإنسانية وتحترمها الأعراف والتقاليد لتميزها الأخلاقي بحفظها لكرامة الإنسان ولكونها علاقة راقية تحمل أهدافا نبيلة من أجل استمرار هذه الحياة، ولقد وردت كلمة "أزواج" و"أزواجا" في القرآن الكريم أربعا وعشرين مرة، ودائما ما تكون مرتبطة بالمودة والرحمة والاطمئنان والسكينة: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" (الروم: 30). وانطلاقا من هذه الأهمية البالغة للزواج ولضمان نجاحه اهتمت حكومة المملكة العربية السعودية بالجانب الإرشادي والتوعوي وتمثل هذا الاهتمام في توجيه صادر مؤخرا من مجلس الوزراء بضرورة إقامة دورات تدريبية للمقبلين على الزواج وذلك من أجل الحفاظ على الأسرة والحد من الطلاق والتفكك الأسري وما ينتج عن ذلك من مشكلات.

وتزامنا مع هذا الاهتمام أطلقت جمعية مودة الخيرية للحد من الطلاق قبل أسابيع برنامجا وطنيا شاملا تحت مسمى "برنامج مودة الوطني لتأهيل المقبلين والمقبلات على الزواج"، ويهدف إلى المساهمة في معالجة المشكلات المرتبطة بالزواج والطلاق وهو برنامج مصمم وفق معايير ومرتكزات محورية تم إعداده بالتعاون مع أهل الخبرة والاختصاص من خلال دراسة أبرز برامج التأهيل الزواجي عالميا وعربيا لإنتاج برنامج قيمي شامل وفريد من نوعه يهدف إلى توعية الأجيال بمهارات الاستقرار الأسري ونشر الثقافة الحقوقية الأسرية عبر مواد دراسية بدءا من المرحلة الابتدائية وانتهاء بالمرحلة الجامعية بالتعاون مع الجهات المختصة بالإضافة إلى الدورات التدريبية والتأهيلية لعامة المجتمع والتي ستصمم خصيصا لهذا البرنامج على أيدي أبرز المتخصصين في المجال الأسري والزواجي.

وترتكز محاور البرنامج الرئيسية على عدد من الجوانب تأتي في مقدمتها الجوانب الشرعية الحقوقية لتكون المرتكز الأصلي والانطلاقة الأساسية، ثم الجوانب الاجتماعية والتربوية بأبعادها الثقافية المتنوعة، والجوانب النفسية والعاطفية بفروقاتها بين الجنسين، ثم يتناول الجوانب الطبية بطريقة وقائية وعلاجية، والجوانب الاقتصادية والإدارية في التخطيط الأسري بالإضافة إلى الجوانب المهارية والتطبيقية ليكون المخرج النهائي للبرنامج مشتملا على مواد تعليمية قابلة للتدريس في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، وحقائب تدريبية متنوعة لطلبة وطالبات الثانوية العامة، ومادة تعليمية لطلبة وطالبات الجامعات يمكن أن تدرس كمتطلب جامعي كما يشتمل البرنامج أيضا على حقائب تدريبية للمتزوجين وللمقبلين والمقبلات على الزواج من غير فئات الطلبة مع مراعاة الفروق النوعية والثقافية بين المتلقين، وحقائب تدريبية لوالدي الزوجين، ويتضمن عددا من ورش العمل والمحاضرات والندوات والبرامج التطبيقية والعملية، بالإضافة إلى وسائل تعليمية وتكنولوجية مساندة لتتكون هذه المخرجات في النهاية في مكون متوازن يتسم بالسلاسة والشمول في الطرح والتطبيق، ويستهدف كافة فئات المجتمع بلا استثناء بدءا من الطلبة والطالبات في جميع المراحل التعليمية وانتهاء بعموم المتزوجين والمقبلين والمقبلات على الزواج من كافة الأعمار والخلفيات الثقافية، وحتى الوالدين والأهل. ويتضح من خلال هذا البرنامج الوطني أنه يتميز بطابع الشمولية ويتجاوز مجرد التركيز على أسباب الطلاق ولا يقتصر على الزوجين ويتجاوز ذلك إلى التوعية الشاملة للمجتمع وهو برنامج طموح يستوجب منا توجيه الشكر الجزيل لجمعية مودة ولجميع العاملين فيها وعلى رأسهم صاحبة السمو الملكي الأميرة سارة بنت مساعد بن عبدالعزيز رئيس مجلس إدارة جمعية مودة للحد من الطلاق. وختاما تجدر الإشارة إلى أن الحديث عن هذا البرنامج لا يعني إغفال جهود موجودة حاليا من قبل جمعيات ومراكز خيرية ولكن يغلب عليها طابع المحدودية وينقص البعض منها الشمول الذي يتميز به برنامج مودة الوطني وهي جهود يُشكر القائمون عليها وتعد مكملة لبعضها ولا نشك في أنها جميعا تسعى لتحقيق هدف نبيل وهو المساهمة في الحد من الطلاق ونشر ثقافة الحقوق والواجبات للزوجين ولجميع أفراد الأسرة في المجتمع السعودي.