بين محاولة الكاتب إبراهيم البليهي تتبع أصول وجذور "الجهل والتخلف" في المجتمعات الإنسانية، ومطالبات الحضور بطرح حلول "واقعية وعملية" للتخلف الحضاري العربي ومظاهره في محيطنا المحلي، ارتفعت حرارة صالة المحاضرات بنادي نجران الأدبي مساء أول من أمس، وهي تحتضن محاضرة ألقاها البليهي بعنوان "أصالة التخلف" أدارها مهدي ضاوي ضمن الأنشطة المنبرية للنادي. أثار البليهي في المحاضرة الكثير من النقاش، بعد أن أكد أن "سوء التعليم هو أساس التخلف"، وأن "الليبرالية حل واقعي كي نسير في ركب الحضارة الإنسانية" على حد تعبيره.
وبدأ البليهي محاضرته بالتأكيد على أن "الأصل في الإنسان هو الجهل"، مؤكدا أنه "على الرغم من امتلاكه أدوات حضارية وتقنيات حديثة، إلا أنه ما زال يحمل جهلا مركبا". ورأى أن الحضارة والتقدم الفكري الحقيقي هما "عندما نصل إلى مرحلة التعايش الإنساني والاحترام المتبادل". وقدم صاحب كتاب "حصون التخلف" دليلا ـ حسب رأيه ـ على أن التخلف بمعناه الفكري والجهل المركب ما زالا مخيمين على العالم بـ"تزايد الحروب والصراعات السياسية والظلم وانتقاص الآخر". وحاول أن يحلل أسباب ذلك بالقول:
"الإنسان في واقعه هو مجرد تصورات، فإذا تصور نفسه على الحق المطلق وحده، سيعادي الآخرين، ويتقاتل معهم ويضحي بكل القيم الإنسانية".
وتحدث البليهي عن أن الكثير من مراحل تأسيس الثقافة الإسلامية شهدت رفضا وإقصاء للفكر والمفكرين، واتهاما لهم بالكفر والزندقة، ولذلك ـ حسب قوله ـ لم تؤسس حضارة إسلامية حقيقية، كما حدث للحضارة اليونانية، التي احترمت مفكريها ومثقفيها وتجاوبت معهم. وأضاف: الحضارة الغربية لم تصل إلى ما وصلت إليه حاليا، إلا بعد أن استلهمت روح الثقافة والحضارة اليونانية القديمة، والدليل على ذلك أنها مرت بمرحلة العصور الوسطى المظلمة، وذلك بسبب اعتناقها للمسيحية، وبدأت في استخدام الدين غطاء لحروبهم وأطماعهم السياسية والاقتصادية، وعندما قامت الثورات الفكرية وعادت المجتمعات لاحترام مفكريها والاهتداء بهم، عادت للتوهج، وأصبحت هي المصدر لكل شيء والباقون ونحن العرب والمسلمين في المقدمة مجرد متلقين ومستهلكين.
ثم انتقل البليهي إلى تحليل أسباب "سيادة التخلف" في المجتمعات العربية والإسلامية قائلا"يعتقد البعض أن التعليم وتراكم وحشو المعلومات هو مفتاح الحضارة، والحقيقة أن هذا التعليم هو من يكرس الجهل ويعززه في المجتمع؛ لأنه مجرد نقل لمعلومات وأفكار الأجداد وغرسها في الأحفاد، وذلك لأن الإنسان يولد بقابليات ولا يولد بعقل، وهذه القابلية فارغة تملأ بالثقافة المحيطة التي لا جديد فيها، بل هي مجرد نقل لأفكار القدامى، فلا يحدث أي تغيير إلا في حالة حدوث صدمة كبيرة له". وأضاف: المجتمع المتخلف لا ينتج إلا تخلفا، فتجد الإنسان لدينا يتعلم ولا يتغير، لأن التغيير لا يحدث عن طريق التعليم فقط، ولكن ما يغير المجتمعات هو الأفكار الجديدة؛ لأن الإنسان كائن خرافي، عندما يمتص الخرافة فإنه يصر عليها".
وفي المداخلات ركز المداخلون ومنهم إبراهيم سنان وصالح سدران وزيد آل شويل والمهندس فارس الشفق وغيرهم على مطالبة البليهي بأن يكون أكثر التفاتة وتنظيرا لواقعنا المحلي السعودي، وطرح الحلول لمظاهر "التخلف" فيه. فرد بأن مجتمعنا جزء من الكل العربي الإسلامي، وكل ما يقال ينطبق عليه بشكل مباشر. وأضاف "أنا أحاول قراءة الحضارة الإنسانية بشكل كامل". وفي رده على سؤال حول عدم طرحه لمعضلة "الجهل" وقضايا الناس الاقتصادية والاجتماعية ضمن القضايا التي يناقشها مجلس الشورى بصفته عضوا فيه. رد المحاضر "معضلتنا الحقيقية هي معضلة ثقافية وليست اقتصادية وكل المشكلات التي نلمسها هي نتاج لمعضل ثقافي وفكري، والحل هو نسف كامل لنظام الحياة والتفكير والثقافة السائدة، فلا يمكن أن نتغير بتغيير جزء وترك أجزاء أخرى كما هي.
وفي رده على تساؤل حول هل "الليبرالية " حل؟، رد البليهي "نعم الليبرالية هي من أهم الخيارات، كي نقلص التخلف ونسير في الركب الحضاري".