التغيرات المناخية التي يشهدها عالمنا اليوم ما هي إلا مقدمة لبداية حدوث العصور الجليدية، وهذه حقيقة علمية أكدها جميع علماء التاريخ الطبيعي، كما أثبت حدوثها بصورة قطعية تاريخ الكرة الأرضية الجيولوجي. والعصور الجليدية تختلف قوتها حسب القوة المسببة لها، وعلى كل حال فإن العصور الجليدية ستتسبب في فناء نصف سكان المعمورة وستتسبب أيضا في اندثار الحضارة الغربية، فأوروبا الغربية وأمريكا الشمالية ستدفن تحت طبقة سميكة من الجليد بصفة دائمة تستمر لآلاف السنين، أما جزيرة العرب ومنطقة الشرق الأوسط فسيتحول المناخ فيها إلى مناخ شبيه بالمناخ السائد الآن في أوروبا وأمريكا الشمالية. تحديد الفترة الزمنية التي ستبدأ فيها العصور غير ممكن، ولكن جميع المعطيات الجيولوجية السابقة التي مرت بها الكرة الأرضية تشير إلى قرب حدوث العصر الجليدي. يؤكد ذلك التغيرات المناخية التي تشهدها الكرة الأرضية، فقد تستيقظ من نومك في يوم من الأيام لتجد مدينة جدة مغطاة بوشاح من الجليد الأبيض، وهذا الأمر ليس مبالغا فيه، فقد مرت جزيرة العرب في المئة ألف عام الماضية بعدة عصور جليدية انتهى آخرها منذ عشرة آلاف عام، فهذا الأمر سنة من سنن الكون التي فرضها الله على هذا الكوكب، ودورات طبيعية تحدث في عالمنا مثل دورات تعاقب فصول العام، بها يبدل الله قوما بأقوام أخرى، ويبدل فيها أيضا مخلوقات بمخلوقات أخرى. فمنذ 200 مليون عام كانت الديناصورات هي الحاكمة والمسيطرة بأمرها، فغيرها الله بمجتمعات حيوانية أخرى لم تكن موجودة على الكرة الأرضية، منها الحيوانات اللبونة (الحيوانات الثديية) مثل المواشي والأغنام والأسود والقردة، وكان أحدث هذه المخلوقات على سطح الأرض هو الإنسان! وكانت أيضا هناك سلالات أخرى من الإنسان قد انقرضت مثل نوع الهومو اركتس،

homo erectus و النينديرثال Neanderthal أي أنه كانت هناك أمم أخرى من البشر قبل ظهور جنسنا البشري Homo sapiens الذي يسود الكرة الأرضية الآن، فهل سيبدلنا الله بأقوام أخرى؟!!

ولكن ما هي الميكانيكية الطبيعية التي يسخرها الله سبحانه وتعالى في تكوين العصور الجليدية؟ قبل الخوض في هذا الموضوع أود أن أوضح نقطة قد ذكرتها في مقالاتي السابقة استفسر عنها العديد من القراء، عن الأمطار الشديدة التي يشهدها الركن الجنوبي الغربي من جزيرة العرب، هذه التغيرات يا جماعة الخير، لا تقتصر فقط على جزيرة العرب بل تشمل جميع مناطق العالم الواقعة ما بين خطي عرض 12 درجة شمال و 33 درجة شمال، ومن لطف الله علينا أن الفيضانات التي تحدث في الركن الجنوبي من جزيرة العرب هي الأقل شدة وعنفا من المناطق الأخرى من العالم التي تقع على نفس خطوط العرض. وفي الحقيقة أن الفيضانات التي شهدتها الضفة الغربية من البحر الأحمر من باب المندب جنوبا وحتى مدينة بورتسودان كانت الأكثر شدة وعنفا عما حدث في الركن الجنوبي الغربي من جزيرة العرب وذهب ضحيتها العشرات من أبناء السودان. وإذا ما قارنا الفيضانات التي حدثت في الركن الجنوبي الغربي من جزيرة العرب بالفيضانات التي حدثت في بعض مناطق العالم التي تقع على نفس خطوط العرض، مثل باكستان والهند و الصين وأمريكا، فنجد أننا الأوفر حظا والأقل تضررا، فهذه الدول، كما تشاهدون في الفضائيات، بلغ عدد ضحاياها الآلاف، وعدد المتشردين فيها عشرات الألوف والخسائر بمليارات الدولارات، فأين نحن من ذلك؟، ولكن أحب أن أوضح أن مسلسل الفيضانات والأمطار الشديدة في الركن الجنوبي الغربي من المملكة لم ينته بعد، ومازال أمامنا أكثر من شهر حتى يتقهقر الشريط الاستوائي

Inter-tropical convergence zone إلى الجنوب فلا نعلم ما قد يحدث خلال شهر أغسطس وشهر سبتمبر!

وعودة إلى الميكانيكية الطبيعية المسببة لحدوث العصور الجليدية، الموضوع يا جماعة كبير ومعقد، ولا يمكن سرده في مقال صحفي، ولكن أحب أن أوجز مسببات حدوث العصور الجليدية في هذا المقال، والمقال التالي الذي سينشر بعد أسبوعين بمشيئة الله، فهناك ثلاثة أنواع من العصور الجليدية شهدها تاريخ الكرة الأرضية منذ أكثر من 200 مليون عام وحتى يومنا هذا. وكما ذكرت سابقا تختلف قوة وشدة هذه العصور الجليدية حسب القوة المسببة لها والتي تعتمد بصورة رئيسية على التغيرات في شدة كمية الحرارة الساقطة من الشمس على سطح الكرة الأرضية نتيجة لتغير موضع الأرض بالنسبة للشمس. وهذا ما أوضحه المهندس وعالم المناخ الصربي ملوتن ميلانكوفتش Milutin Milankovitch عام 1904م الذي قسم مسببات تكوين العصور الجليدية إلى ثلاثة عوامل فلكية هي كتالي:

العامل الأول: هو التغير في شكل الفلك الذي تدور فيه الأرض حول الشمس، أو ما يطلق عليه فلكيا اسم eccentricity وهذه الدورة تحدث كل 100 ألف عام، وفيه يتغير شكل الفلك الذي تدور فيه الأرض من الشكل الاهليجي

Elliptical orbit إلى الشكل الدائري. الحديث موصول إن شاء الله عن العصور الجليدية والتغير المناخي في جزيرة العرب.