تزايدت في الأونة الأخيرة حدة التوقعات بدخول اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية في ركود مزدوج. فالبيانات الاقتصادية التي استمرت في إعطاء إشارات متضاربة لفترة طويلة، بدأت في التراجع. فعلى سبيل المثال، تراجعت مبيعات المنازل الأمريكية بأكثر من 3% في حين كانت توقعات المحللين تميل إلى تسجيل ارتفاع طفيف بنحو 0.6%. وطال هذا التراجع مؤشرات رئيسية أخرى مثل معدل الإنفاق الفردي والذي يعول الاقتصاد الأمريكي عليه كثيرا في اقتصاده الاستهلاكي، ومؤشر طلبيات المصانع من المواد الخام، بالإضافة إلى زيادة نزعة الادخار لدى المواطنين الأمريكيين.
كل هذه المؤشرات بالإضافة إلى بقاء معدل البطالة فوق 10% منذ بداية العام 2009 ترجح انزلاق الاقتصاد الأمريكي في ركود مزدوج.
الركود المزدوج يعرف على أنه فترة من الانكماش في نمو الناتج المحلي، تتبعها فترة قصيرة من الرواج والنمو، ثم يعود الاقتصاد للانكماش مرة أخرى.
أهم ما يميز الركود المزدوج عن الركود العادي هو معدلات البطالة المرتفعة طوال فترتي الانكماش وحتى خلال فترة الرواج القصيرة.
بالنسبة للفترة الثانية من الانكماش، فإن مدتها تكون أطول من الفترة الأولى، وإن كان الانكماش عادة أقل حدة. ولذلك نجد أن الحكومة الأمريكية وكل جهة مؤثرة في الاقتصاد الأمريكي تحاول تجنب هذا الانزلاق الكارثي، ففترة الانكماش الأولى استمرت لنحو عام كامل. وبالتالي فإنه في حال انزلاق الاقتصاد الأمريكي في ركود مزدوج، فإن معدلات البطالة لن تتراجع عن مستوياتها الحالية قبل عام آخر، ما سيفقد الاقتصاد الأمريكي الكثير من الكفاءة والإنتاجية وسيسبب تراجعا في دخل الحكومة الاتحادية من الضرائب.
الأزمة المالية العالمية هي ما دفعت الاقتصاد الأمريكي إلى الدخول في فترة الركود الأولى، التي كادت أن تتحول إلى كساد كبير لولا التدخل الحكومي.
عادة ما يلحق فترات الركود الاقتصادي فترات من الرواج. فالمستهلك يحجم عن الاستهلاك في أوقات الركود ويقوم بادخار دخله، ثم يقوم بصرف الأموال التي ادخرها بعد انتهاء الركود.
الرواج الذي لحق فترة الركود الأولى لم ينتج عن إنفاق المستهلكين، إنما عن حزم الإنقاذ المليارية التي أقرتها الحكومة، التي أوشكت أموالها على النفاد. إحجام المستهلكين عن الإنفاق هو العامل الرئيس الذي قد يدفع الاقتصاد الأمريكي إلى فترة ركود ثانية، فهي في تآكل مستمر بفعل معدلات البطالة المرتفعة، الأمر الذي يحد من تدفق للأموال في أجزاء الاقتصاد.
دخول الاقتصاد الأمريكي في ركود مزدوج ليس أمرا حتميا وإن كان مرجحا، ولكن في حال حصوله فإن تبعاته ستمتد، بكل تأكيد، إلى كل أرجاء العالم.