يتم استهداف المثقفين والأدباء بشكل منظم، في كل تجمع أو لقاء، تحت مسميات كثيرة ولأسباب عدة، كلها تقع تحت مسمى الاختلاط، وبالرغم من كون الاحتساب أصبح أحد أبرز فعاليات معرض الكتاب الدولي بالرياض، مع تعدد الصور التي يتم بها فعل الاحتساب بدءا بالوعظ والنصح، وصولا إلى الملاسنات والاشتباك بالأيدي؛ إلا أن الفنادق التي يقيم فيها هؤلاء المثقفون، في أي فعالية كانت، أصبحت مرتعا خصبا للاحتساب والنيل من سمعة الأديب والمثقف بوصفه منحلا أخلاقيا وقيميا وسلوكيا، فكانت البداية مع فندق الماريوت، الذي أصبح يوصم بالخزي والعار في مسلسل ملتقى المثقفين السعوديين، والذي لعب دور البطولة فيه الكاتب المبدع عبده خال، تلاه فندق مداريم الذي شهد معركة الاحتساب ومداهمة المحتسبين في آخر أيام معرض الرياض الدولي للكتاب، وكان بطل المواجهات هذه المرة الدكتور الباحث الفاضل زيد الفضيل، والذي حاول بما عرف عنه من حكمة، أن ينحى بالهجوم إلى ناحية الحوار الهادىء بعيدا عن التشنج والعصبية، ووقف فيهم وحيدا شارحا وموضحا، إلا أنهم أصروا على تصعيد الموقف، وتأجيج الصراع.
ولا نعلم أي الفنادق يقف الآن على قائمة الاختلاط والعار، حتى لا يجد المثقفون مكانا للإقامة في آخر المطاف إلا خيمة تنصب في عرض الصحراء. لكن الملفت للنظر هو وقوف الدكتور زيد وحيدا أمام هجمة المحتسبين ليدافع عن قضية، يقف الكثير من أصحابها موقف المتفرجين ولسان حالهم يقول: "اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا هاهنا قاعدون"، ليبرروا بعد ذلك موقفهم المتراخي، بأن لديهم قناعة بأن هؤلاء المحتسبين لم يأتوا بحثا عن حوار هادىء منصف، وإنما أتوا لتنفيذ أجندة جاهزة.
ومع انقسام المثقفين بين مؤيد للحوار الذي يعرّي الخصم ويضعف حجته، وبين من أصيب باليأس والإحباط من إمكانية تغيير الوضع القائم، تبقى فعالياتنا الأدبية والثقافية، مصبوغة جميعا بنفس اللون القاتم الذي تحركه غريزة سمجة، لا هم لها إلا البحث عن مواطن الشبهات والاختلاط، مغفلة مظلة الفكر والأدب والثقافة التي تقام تحتها كل هذه الفعاليات الضخمة، فتبدد كل الجهود الجبارة التي تبذلها وزارة الثقافة والإعلام عن طريق وكالة الوزارة للشؤون الثقافية، لإبراز جمالية المشهد الثقافي والأطياف الفكرية المنسجمة في السعودية للعالم أجمع، ولا يبقى في أذهان العالم إلا صورة ذلك المحتسب الذي يمسك بعصا غليظة، يهوي بها على كل إنجاز نباهي ونفاخر به العالم ليحطمه، بوهم الاختلاط والفساد.