مجرد بضع كلمات في جملة شاردة من اعترافات أحد أبنائنا الضحايا من تهمة الإرهاب يعكس واقعاً مؤلماً يستعصي على الوصف. هو يقول بالحرف الواحد: إن فتوى قناة دينية قادتني إلى العراق. نحن مع تحليل مثل هذه الجمل الاعترافية سنصل إلى الاستنتاج المقابل أن بيننا من يأخذ هذه الفوضى المضطربة في عوالم الفتوى بسذاجة وسطحية. هؤلاء الشباب، وبالآلاف، لم يسألوا السؤال البسيط المقابل: لماذا يعلن هذا الشيخ، أو ذاك، فتواه من الأستوديو المكيف بدلاً من إعلانها من ميدان المعركة؟ ما هي الموانع أمام صاحب الفتوى كي يظن أن حدود معركته تنتهي عند استقبال السؤال وعلى المتلقي الاستجابة؟ لماذا لم يسأل مثل هذا الشاب نفسه ذات السؤال الأهم: أين هم أولاد فضيلة الشيخ نفسه من قلب المعركة التي يدعو الآخرين إليها؟ ولماذا لم نذهب ولو لمرة واحدة لسرادق العزاء في أحد أبناء فضيلة الشيخ الذي مات (شهيداً) في استجابة لفتوى أبيه؟
لماذا لم يسأل آلاف الشباب أنفسهم عن هذه الفوضى التي أوصلت فتاوى الجهاد إلى هذه العوالم المتضادة المضطربة؟ لماذا لا يقرؤون مثلاً، أن مفتي سورية في قنبلته الأخيرة يرى أن الجهاد مع النظام السوري أصبح (فرض عين) على كل العرب والمسلمين، بينما لم نشاهده لا فرضاً ولا عيناً في شوارع فتواه القاتلة؟ لماذا لم يستيقظ هؤلاء الشباب الذين يذهبون إلى هذه المعارك على الحقيقة البدهية الثابتة التي كانت تشير بكل جلاء ووضوح إلى أن قادة (الجهاد الأفغاني) الخمسة الأشهر، يومئذ، لم يذهبوا لمعركة ولم يصب أحد منهم بشرط من جرح، وأن الحقيقة الأخرى تقول إن لدى هؤلاء (الخماسي) من سياف إلى رباني إلى حقاني، وانتهاء بالبقية 26 ولداً شاباً لم يذهب فرد واحد منهم إلى ذرة من غبار معركة؟ لماذا لا يستدرك هؤلاء الآلاف من الشباب أن سبعة من أولاد هذا الخماسي الشهير كانوا يدرسون في أرقى جامعات الغرب يوم ذروة الجهاد الأفغاني وأيام رحى تلك المعركة؟ لماذا لا يقرأ هؤلاء الشباب أن هذه الفتاوى حين تتصارع في الأهداف تشترك في ذات الدليل، وكل فتوى يسوقها صاحبها بحسب ما يراه من مصلحة.